للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أبا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب (١) إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله وإلى الاسلام، أو يبذلون الجزية أو يؤذنوا بحرب. فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه. فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم (٢) حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فكتب إليه أبو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس في ذلك فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم لأنوفهم. وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم، فهوى ما قال علي ولم يهو ما قال عثمان. وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس ابن عبد المطلب (٣) على مقدمته، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤس الامراء، كخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، فترجل أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيده فكف أبو عبيدة فكف عمر. ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله ليلة الاسراء. ويقال إنه لبى حين دخل بيت المقدس فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية. ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك، وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهي المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة وانسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك.


(١) ذكر الأزدي في فتوح الشام ٢٤٣ نص كتاب أبي عبيدة إلى أهل إيلياء وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها … فإنا ندعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله … فإن أبيتم فأقروا لنا باعطاء الجزية .... وإن أبيتم سرت إليكم بقوم هم أشد حبا للموت منكم للحياة ولشرب الخمر وأكل الخنزير، ثم لا أرجع عنكم إن شاء الله حتى أقتل مقاتلتكم وأسبي ذراريكم.
(٢) قال الأزدي: فخرج أهل إيلياء فقاتلوا المسلمين ساعة، ثم انهزموا ثم قاتلوهم ثم انهزموا إلى داخل حصنهم. أما الواقدي فذكر في فتوح الشام: ولم يزل أبو عبيدة ينازل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة وما من يوم إلا ويقاتلهم قتالا شديدا، (ثم طلبوا أن يبعث إلى عمر ليفتحوا له البلد) فأمر أبو عبيدة بالكف عنهم ١/ ٢١٨ - ٢١٩.
(٣) في الطبري فكالأصل، وفي فتوح الواقدي ١/ ٢٢٠: سار معه الزبير وعبادة بن الصامت.

<<  <  ج: ص:  >  >>