عليهم ما عليهم أثلاثا، في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم. على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر (١) " فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح واجتمعت الخيول بمصر وعمروا الفسطاط، وظهر أبو مريم وأبو مريام فكلما عمرا في السبايا التي أصيبت بعد المعركة. فأبى عمرو أن يردها عليهما، وأمر بطردهما وإخراجهما من بين يديه، فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر أن كل سبي أخذ في الخمسة أيام التي أمنوهم فيها أن يرد عليهم، وكل سبي أخذ ممن لم يقاتل وكذلك من قاتل فلا يرد عليه سباياه. وقيل إنه أمره أن يخيروا من في أيديهم من السبي بين الاسلام وبين أن يرجع إلى أهله، فمن اختار الاسلام فلا يردوه إليهم، ومن اختارهم ردوه عليهم وأخذوا منه الجزية، وأما ما تفرق من سبيهم في البلاد ووصل إلى الحرمين وغيرهما، فإنه لا يقدر على ردهم ولا ينبغي أن يصالحهم على ما يتعذر الوفاء به. ففعل عمرو ما أمر به أمير المؤمنين، وجمع السبايا وعرضوهم وخيروهم فمنهم من اختار الاسلام، ومنهم من عاد إلى دينه، وانعقد الصلح بينهم. ثم أرسل عمرو جيشا إلى إسكندرية وكان المقوقس صاحب الإسكندرية قبل ذلك يؤدي خراج بلده وبلد مصر إلى ملك الروم - فلما حاصره عمرو بن العاص جمع أساقفته وأكابر دولته وقال لهم: إن هؤلاء العرب غلبوا كسرى وقيصر وأزالوهم عن ملكهم ولا طاقة لنا بهم، والرأي عندي أن نؤدي الجزية إليهم. ثم بعث إلى عمرو بن العاص يقول: إني كنت أؤدي الخراج إلى من هو أبغض إلي منكم - فارس والروم - ثم صالحه على أداء الجزية، وبعث عمرو بالفتح والأخماس إلى عمر بن الخطاب ﵁.
وذكر سيف أن عمرو بن العاص لما التقى مع المقوقس جعل كثير من المسلمين يفر من الزحف فجعل عمر يزمرهم ويحثهم على الثبات: فقال له رجل من أهل اليمن: إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد. فقال له عمرو: اسكت فإنما، أنت كلب. فقال له الرجل: فأنت إذا أمير الكلاب. فأعرض عنه عمرو ونادى يطلب أصحاب رسول الله ﷺ فلما اجتمع إليه من هناك من الصحابة قال لهم عمرو: تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين. فنهدوا إلى القوم ففتح الله عليهم وظفروا أتم الظفر. قال سيف: ففتحت مصر في ربيع الأول من سنة ست عشرة وقام فيها ملك الاسلام ولله الحمد والمنة. وقال غيره: فتحت مصر في سنة عشرين، وفتحت إسكندرية في سنة خمس وعشرين بعد محاصرة ثلاثة أشهر عنوة، وقيل صلحا على اثني عشر ألف دينار. وقد ذكر أن المقوقس سأل من عمرو أن يهادنه أولا، فلم يقبل عمرو وقال له: قد علمتم ما فعلنا بملككم
(١) قال الأستاذ بتلر أن هذا العقد - وقد أورده الطبري ٤/ ٢٣٩ - هو عقد صلح الإسكندرية. أقول ويبدو ان هذا العقد مقتضب فقد فرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم ووضيعهم من بلغ منهم الحلم (وأخرج النساء والصبيان من ذلك) انظر فتوح البلدان ١/ ٢٥٦.