للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَابِيَةَ ورُفع عَنِ النَّاسِ الْوَبَاءُ (١) .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ بن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ رَابَةَ - رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ -.

وَكَانَ قَدْ خَلَفَ عَلَى أُمِّهِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ طَاعُونَ عَمَوَاسَ.

قَالَ: لما اشتعل الْوَجَعُ قَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةٌ بِكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ (٢) وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَقْسِمَ لِأَبِي عبيدة [منه] حَظَّهُ، فَطُعِنَ، فَمَاتَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فَقَامَ خَطِيبًا بَعْدَهُ.

فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةٌ بِكُمْ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ، وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ مُعَاذًا يَسْأَلُ الله تعالى أن يقسم لآل معاذ [منه] حظهم، فَطُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَمَاتَ، ثُمَّ قَامَ فَدَعَا لِنَفْسِهِ فَطُعِنَ فِي رَاحَتِهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ يَقْلِبُ (٣) ظَهْرَ كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِمَا فِيكِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا.

فَلَمَّا مَاتَ اسْتُخْلِفَ عَلَى النَّاسِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ إِذَا وقع فإنما يشتعل اشتعال نار، فتحصنوا (٤) منه في الجبال.

فقال أبو وائل الْهُذَلِيُّ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَقَدْ صَحِبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ شَرٌّ مِنْ حِمَارِي هَذَا.

فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرُدُّ عَلَيْكَ مَا تَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ فَتَفَرَّقُوا وَدَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ.

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

مِنْ رَأَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَاللَّهِ مَا كَرِهَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا انْتَهَى إِلَى عُمَرَ مُصَابُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَمَّرَ مُعَاوِيَةَ عَلَى جُنْدِ دِمَشْقَ وَخَرَاجِهَا، وَأَمَّرَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ عَلَى جُنْدِ الْأُرْدُنِّ وَخَرَاجِهَا.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شيوخه قالوا: لما كان طاعون عمواس وقع مَرَّتَيْنِ لَمْ يُرَ مِثْلُهُمَا (٥) وَطَالَ مُكْثُهُ، وَفَنِيَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى طَمِعَ الْعَدُوُّ وَتَخَوَّفَتْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ لِذَلِكَ.

قُلْتُ: وَلِهَذَا قَدِمَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ فَقَسَّمَ مَوَارِيثَ الَّذِينَ مَاتُوا لَمَّا أَشْكَلَ أَمْرُهَا عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَطَابَتْ قُلُوبُ النَّاسِ بِقُدُومِهِ، وَانْقَمَعَتِ الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِمَجِيئِهِ إِلَى الشَّامِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة.


(١) الخبر في الطبري ٤ / ٢٠١ والكامل في التاريخ ٢ / ٥٥٨ في حوادث سنة ٨١ هـ.
(٢) قوله دعوة نبيكم: حين جاءه جبرائيل فقال: فناء أمتك بالطعن أو الطاعون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فبالطاعون.
(٣) في الطبري: يقبل، وفي الكامل: يقبلها.
وانظر خطبتيهما في فتوح ابن الاعثم ١ / ٣١٢ - ٣١٣.
(٤) في الطبري: فتجبلوا.
وفي فتوح ابن الاعثم ١ / ٣١٣ قال: إن هذا الوباء قد وقع فيكم، إنما هو وخز من الجن، فمن أقام به هوى ومن انحاز عنه نجا.
(٥) في الطبري: وقع موتانا لم ير مثله.
وفي الكامل: وأصاب الناس من الموت ما لم يروا مثله قط، وكان عدة من مات في طاعون عمواس خمسة وعشرين ألفا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>