للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذب وبهت وافتراء عظيم يلزم به خطأ كبير، من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده عَلَى تَرْكِ إِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ وَإِيصَالِهَا إِلَى مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِ، وَصَرْفِهِمْ إِيَّاهَا إِلَى غَيْرِهِ، لَا لِمَعْنًى وَلَا لِسَبَبٍ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يَتَحَقَّقُ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ الْحَقُّ، يَعْلَمُ بُطْلَانَ هَذَا الِافْتِرَاءِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا خَيْرَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُمْ خَيْرُ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِلَّهِ الحمد.

وما قد يَقُصُّهُ بَعْضُ القصَّاص مِنَ الْعَوَامِّ

وَغَيْرِهِمْ فِي الأسواق وغيرها من الوصية لعلي في الآداب والأخلاق فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، مِثْلَ مَا يَقُولُونَ: يَا عَلِيُّ لَا تَعْتَمَّ وَأَنْتَ قَاعِدٌ، يَا عَلِيُّ لَا تَلْبَسْ سَرَاوِيلَكَ وَأَنْتَ قَائِمٌ، يَا عَلِيُّ لَا تُمْسِكْ عِضَادَتَيِ الْبَابِ، وَلَا تَجْلِسْ على أسكفة الباب، ولا تخيط ثَوْبَكَ وَهُوَ عَلَيْكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ من الهذيانات فلا أصل لشئ منه، بل هو اختلاف بعض السفلة الجهلة، ولا يعول على ذلك ويغتر به إلا غبي عيي.

ثم مَاتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ غَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَوَلِيَ دَفْنَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَسَيَأْتِي فِي بَابِ فَضَائِلِهِ ذِكْرُ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ من فاطمة بعد وقعة بدر فولد مِنْهَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحَسِّنٌ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَقَدْ وردت أحاديث في ذلك لا يصح شئ مِنْهَا بَلْ أَكْثَرُهَا مِنْ وَضْعِ الرَّوَافِضِ وَالْقُصَّاصِ.

وَلَمَّا بُويِعَ الصِّدِّيقُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ كَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ بَايَعَ بِالْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَكَانَ بَيْنَ يَدَيِ الصِّديق كَغَيْرِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الصَّحَابَةِ يَرَى طَاعَتَهُ فَرْضًا عَلَيْهِ، وَأَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - وكانت قد تغضبت بعض الشئ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ الَّذِي فَاتَهَا مِنْ أَبِيهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ تَكُنِ اطَّلَعَتْ عَلَى النَّصِّ الْمُخْتَصِّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا يُوَرَّثُونَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا نَاظِرًا عَلَى هَذِهِ الصَّدقة، فَأَبَى ذَلِكَ عليها، فبقي في نفسها شئ كَمَا قَدَّمْنَا، وَاحْتَاجَ عَلِيٌّ أَنْ يُدَارِيَهَا بَعْضَ المداراة - فلما توفيت جدد الْبَيْعَةَ مَعَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَقَامَ عُمَرُ فِي الْخِلَافَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، كَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ بَايَعَهُ، وَكَانَ مَعَهُ يُشَاوِرُهُ فِي الْأُمُورِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ اسْتَقْضَاهُ فِي أَيَّامِ خلافته، وقدم معه من جُمْلَةِ سَادَاتِ أُمَرَاءِ الصَّحَابَةِ إِلَى الشَّامِ، وَشَهِدَ خُطْبَتَهُ بِالْجَابِيَةِ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ وَجَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ أَحَدُهُمْ عَلِيٌّ، ثُمَّ خُلِصَ مِنْهُمْ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَا، فَقُدِّمَ عُثْمَانُ على علي، فسمع وَأَطَاعَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ.

عَدَلَ النَّاس إِلَى عَلِيٍّ فَبَايَعُوهُ، قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ عُثْمَانُ، وَقِيلَ بَعْدَ دَفْنِهِ كَمَا تقدَّم (١) ، وَقَدِ امْتَنَعَ عَلِيٌّ مِنْ إجابتهم إلى قبول الإمارة حتى تكرر قولهم


(١) في الطبري والكامل: بويع لخمس بقين من ذي الحجة بقيت المدينة خمسة أيام، بعد مقتل عثمان، وأميرها الغافقي بن حرب حتى غشى الناس عليا فبايعوه ٣ / ١٩٣، وذكرها الطبري عن سيف عن أبي حارثة ٥ / ١٥٦
وقال ابن الاعثم: ترك عثمان قتيلا إلى أن بويع علي وأتى به إلى حفرته ٢ / ٢٤١ وفي مروج الذهب: بويع علي في اليوم الذي قتل فيه عثمان.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>