للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتله؟ قال: نعم! وآوى قتلته، فانصرفوا إلى علي فذكروا له ما قال فقال: كذب! لم أقتله وأنتم تعلمون أني لم أقتله. فرجعوا إلى معاوية فقال: إن لم يكن قتله بيده فقد أمر رجالا. فرجعوا إلى علي فقال: والله لا قتلت ولا أمرت ولا ماليت. فرجعوا فقال معاوية: فإن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان، فإنهم في عسكره وجنده فرجعوا فقال علي: تأول القوم عليه القرآن في فتنة ووقعت الفرقة لأجلها وقتلوه في سلطانه وليس لي عليهم سبيل. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال: إن كان الامر على ما يقول فماله أنفذ الامر دوننا من غير مشورة منا ولا ممن هاهنا؟ فرجعوا إلى علي فقال علي: إنما الناس مع المهاجرين والأنصار، فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم، ورضوا وبايعوني، ولست أستحل أن ادع مثل معاوية يحكم على الأمة ويشق عصاها، فرجعوا إلى معاوية فقال: ما بال من ها هنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الامر؟ فرجعوا فقال علي: إنما هذا للبدريين دون غيرهم، وليس على وجه الأرض بدري إلا وهو معي، وقد بايعني وقد رضي، فلا يغرنكم من دينكم وأنفسكم، قال: فأقاموا يتراسلون في ذلك شهر ربيع الآخر وجماديين ويقرعون في غبون ذلك القرعة بعد القرعة ويزحف بعضهم على بعض، ويحجز بينهم القراء، فلا يكون قتال قال: فقرعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين قرعة. قال: وخرج أبو الدرداء وأبو أمامة (١) فدخلا على معاوية فقالا له: يا معاوية على ما تقاتل هذا الرجل؟ فوالله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاما، وأقرب منك إلى رسول الله وأحق بهذا الامر منك. فقال: أقاتله على دم عثمان وإنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من بايعه من أهل الشام، فذهبا إلى علي فقالا له ذلك فقال: هؤلاء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا: كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا. قال: فرجع أبو الدرداء وأبو أمامة فلم يشهدا لهم حربا. قال عمرو بن سعد باسناده حتى إذا كان رجب وخشي معاوية أن تبايع القراء كلهم عليا كتب في سهم من عبد الله الناصح: يا معشر أهل العراق! إن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات ليغرقكم فخذوا حذركم، ورمى به في جيش أهل العراق. فأخذه الناس فقرأوه وتحدثوا به، وذكروه لعلي فقال: إن هذا ما لا يكون ولا يقع. وشاع ذلك، وبعث معاوية مائتي فاعل يحفرون في جنب الفرات وبلغ الناس ذلك فتشوش أهل العراق من ذلك وفزعوا إلى علي فقال: ويحكم! إنه يريد خديعتكم ليزيلكم عن مكانكم هذا وينزل فيه لأنه خير من مكانه. فقالوا: لابد من أن نخلي عن هذا الموضع فارتحلوا منه، وجاء معاوية فنزل بجيشه - وكان علي آخر من ارتحل - فنزل بهم وهو يقول:


(١) كذا بالأصل والاخبار الطوال، وفي ابن الأعثم: أبو الدرداء وأبو هريرة، وما ذكر أبو الدرداء إلا من الواقدي،
وليس لهذه الحادثة أثر في الطبري أو في الكامل لابن الأثير، وقد لاحظنا قريبا أن أبا الدرداء مات في خلافة
عثمان (انظر الإصابة ٥/ ٤٦ وتهذيب التهذيب ٨/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>