للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُخَالِفْهُ فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ أَعْمَلَ بِالتَّقْوَى، وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَجْمَعَ لِخِصَالِ الْخَيْرِ كُلِّهَا مِنْهُ.

فَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ، فَأَمَّا الجماعة فمعنا هِيَ، وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَكَيْفَ أُطِيعُ رَجُلًا أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ؟ وَنَحْنُ لَا نَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا نَتَّهِمُهُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ أَوَى قَتَلَتَهُ، فَيَدْفَعَهُمْ إِلَيْنَا حَتَّى نَقْتُلَهُمْ ثُمَّ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ إِلَى الطَّاعَةِ والجماعة.

فقال له شبيث بْنُ رِبْعِيٍّ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةَ، لَوْ تمكنت من عمار أكنت قاتله بعثمان؟ قال معاوية: لَوْ تَمَكَّنْتُ مِنَ ابْنِ سُمَيَّةَ مَا قَتَلْتُهُ بعثمان، ولكني كنت قتلته بغلام (١) عثمان.

فقال له شبيث بْنُ رِبْعِيٍّ: وَإِلَهِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لَا تَصِلُ إلى قتل عمار حتى تندر الرؤوس عَنْ كَوَاهِلِهَا، وَيَضِيقُ فَضَاءُ الْأَرْضِ وَرَحْبُهَا عَلَيْكَ.

فقال مُعَاوِيَةُ لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ عَلَيْكَ أَضْيَقَ.

وَخَرَجَ الْقَوْمُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَذَهَبُوا إلى علي فأخبروه بما قال.

وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ، وَشُرَحْبِيلَ بن السمط، ومعن بن يزيد بن الا خمس إِلَى عَلِيٍّ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَبَدَأَ حَبِيبٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ خَلِيفَةً مَهْدِيًّا عَمِلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَثَبَتَ (٢) لِأَمْرِ اللَّهِ، فَاسْتَثْقَلْتُمْ حَيَاتَهُ، وَاسْتَبْطَأْتُمْ وَفَاتَهُ، فَعَدَوْتُمْ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ فَادْفَعْ إلينا قتله إِنْ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، ثُمَّ اعْتَزِلْ أَمْرَ النَّاسِ فَيَكُونَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، فَيُوَلِّي الناس أمرهم من جمع عليهم رَأْيَهُمْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا أَنْتَ لَا أمَّ لَكَ، وَهَذَا الْأَمْرَ وَهَذَا الْعَزْلَ، فَاسْكُتْ فَإِنَّكَ لَسْتَ هُنَاكَ وَلَا بِأَهْلٍ لِذَاكَ، فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَتَرَيَنِّي حَيْثُ تَكْرَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا أَنْتَ وَلَوْ أَجَلَبْتَ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ لَا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ، اذْهَبْ فَصَعِّدْ وَصَوِّبْ مَا بَدَا لَكَ.

ثُمَّ

ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ كَلَامًا طَوِيلًا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَلِيٍّ (٣) ، وَفِي صِحَّةٍ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَعَنْهُ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي مَطَاوِي ذَلِكَ الْكَلَامِ من علي ما ينتقض فِيهِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَاهُ، وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا دَخَلُوا فِي الإسلام وَلَمْ يَزَالَا فِي تَرَدُّدٍ فِيهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ فِي غُبُونِ ذَلِكَ: لَا أَقُولُ إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَلَا ظَالِمًا.

فَقَالُوا: نَحْنُ نَبْرَأُ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: * (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مسلمون) * [النَّمْلِ: ٨٠] ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا يَكُنْ هَؤُلَاءِ أَوْلَى بِالْجِدِّ فِي ضَلَالَتِهِمْ مِنْكُمْ بِالْجِدِّ فِي حَقِّكُمْ وَطَاعَةِ نَبِيِّكُمْ، وَهَذَا عِنْدِي لَا يَصِحُّ عن علي رضي الله عنه.

وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ قُرَّاءَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقُرَّاءَ أَهْلِ الشَّامِ عَسْكَرُوا نَاحِيَةً وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ عَبِيدَةُ السُّلْمَانِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عتبة بن مسعود، وغيرهم جاؤوا مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا لَهُ: مَا تَطْلُبُ؟ قَالَ: أَطْلُبُ بدم عثمان قالوا: فمن تطلب به؟ قال: علياً، قالوا: أهو


(١) بناتل مولى عثمان (قاله الطبري والكامل) .
(٢) في الطبري ٦ / ٤: وينيب.
وفي فتوح ابن الاعثم ٣ / ٢٧ ينتهي إِلَى أَمْرِ اللَّهِ.
(٣) انظر تفاصيل ذلك في الطبري ٦ / ٤ - ٥ والكامل ٣ / ٢٩٢ - ٢٩٣ وفتوح ابن الاعثم ٣ / ٢٧ - ٢٩.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>