للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرتد بِرِدَاءٍ وَمَعَهُ الدِّرَّةُ كَأَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ بَدَوِيٌّ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَرَاكَ غَرِيبًا بِهَذَا الْبَلَدِ.

فَقُلْتُ: أَجَلْ أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ بني أبي معيط وهو يسوق الْإِبِلِ، فَقَالَ: بِيعُوا وَلَا تَحْلِفُوا فَإِنَّ الْيَمِينَ تُنْفِقُ السِّلْعَةَ وَتَمْحَقُ الْبَرَكَةَ، ثُمَّ أَتَى أَصْحَابَ التَّمْرِ فَإِذَا خَادِمٌ تَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: بَاعَنِي هَذَا الرَّجُلُ تَمْرًا بِدِرْهَمٍ فَرَدَّهُ مَوَالِيَّ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: خذ تمرك وأعطها درهماً فَإِنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَمْرٌ، فَدَفَعَهُ، فَقُلْتُ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا فَقُلْتُ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَبَّتْ تَمْرَهُ وأعطاها درهماً.

ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: أُحِبُّ أَنْ تَرْضَى عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَا أَرْضَانِي عَنْكَ إِذَا أَوْفَيْتَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، ثُمَّ مَرَّ مُجْتَازًا بِأَصْحَابِ التَّمْرِ فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ التَّمْرِ

أَطْعِمُوا الْمَسَاكِينَ يَرْبُ كَسْبُكُمْ.

ثُمَّ مَرَّ مُجْتَازًا وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ السَّمَكِ فَقَالَ: لا يباع في سوقنا طافي.

ثُمَّ أَتَى دَارَ فُرَاتٍ - وَهِيَ سُوقُ الْكَرَابِيسِ - فَأَتَى شَيْخًا فَقَالَ: يَا شَيْخُ أَحْسِنْ بَيْعِي فِي قَمِيصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَلَمَّا عَرَفَهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ آخَرَ فَلَمَّا عَرَفَهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَتَى غُلَامًا حَدَثًا فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَكُمُّهُ مَا بين الرسغين إلى الكعبين يَقُولُ فِي لُبْسِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي.

فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المؤمنين هذا شئ ترويه عن نفسك أو شئ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: لا! بل شئ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عِنْدَ الْكِسْوَةِ.

فَجَاءَ أَبُو الْغُلَامِ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَقِيلَ لَهُ: يَا فُلَانُ قَدْ بَاعَ ابْنُكَ الْيَوْمَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، قَالَ: أَفَلَا أَخَذْتَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ؟ فَأَخَذَ مِنْهُ أَبُوهُ دِرْهَمًا ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَابِ الرَّحْبَةِ فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذَا الدِّرْهَمَ.

فَقَالَ: مَا شأن هذا الدرهم؟ فقال إنما ثمن القميص دِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: بَاعَنِي رِضَايَ وَأَخَذَ رِضَاهُ.

وَقَالَ عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي عن الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَجَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دِرْعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى شُرَيْحٍ يُخَاصِمُهُ، قَالَ: فَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى جَلَسَ جَنْبِ شُرَيْحٍ وَقَالَ: يَا شُرَيْحُ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا مَا جَلَسْتُ إِلَّا مَعَهُ، وَلَكِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كُنْتُمْ وَإِيَّاهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى مَضَايِقِهِ، وَصَغِّرُوا بِهِمْ كَمَا صَغَّرَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَطْغَوْا " ثُمَّ قَالَ: هَذَا الدِّرْعُ دِرْعِي وَلَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلنَّصْرَانِيِّ: مَا تَقَولُ فِيمَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَا الدِّرْعُ إِلَّا دِرْعِي وَمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدِي بِكَاذِبٍ، فَالْتَفَتَ شُرَيْحٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ فَضَحِكَ عَلِيٌّ وَقَالَ أصاب شريح، مالي بينة، فقضى بها شريح للنصراني، قال فأخذه النصراني ومشى خطاً ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنَّ هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه يَقْضِي عَلَيْهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدِّرْعُ وَاللَّهِ دِرْعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اتَّبَعْتُ الْجَيْشَ وَأَنْتَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ فَخَرَجَتْ مِنْ بَعِيرِكَ الْأَوْرَقِ.

فَقَالَ: أَمَا إِذْ أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ، وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ رآه يقاتل الخوارج يَوْمَ النَّهْرَوَانِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ

عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ: جَاءَ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْتِيكَ الرَّجُلَانِ أَنْتَ أَحَبُّ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>