للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم. وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم فخرجوا وهم يقولون (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) [الشعراء: ٤٠]. وتقدم موسى إلى السحرة فوعظهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه فقال (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم) [طه: ٦١ - ٦٢] قيل معناه: أنهم اختلفوا (١) فيما بينهم، فقائل يقول: هذا كلام نبي وليس بساحر، وقائل منهم يقول: بل هو ساحر فالله أعلم … وأسروا التناجي بهذا وغيره (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما) [طه: ٦٣] يقولون إن هذا وأخاه هارون ساحران عليمان مطبقان متقنان لهذه الصناعة ومرادهم أن يجتمع الناس عليهما ويصولا على الملك وحاشيته ويستأصلاكم عن آخركم ويستأمرا عليكم بهذه الصناعة (فأجمعوا كيدكم ثم اتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى) … وإنما قالوا الكلام الأول ليتدبروا ويتواصوا ويأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة والمكر والخديعة والسحر والبهتان. وهيهات كذبت والله الظنون وأخطأت الآراء. أنى يعارض البهتان. والسحر والهذيان. خوارق العادات التي أجراها الديان. على يدي عبده الكليم. ورسوله الكريم المؤيد بالبرهان الذي يبهر الابصار وتحار فيه العقول والأذهان وقولهم (فأجمعوا كيدكم) أي جميع (٢) ما عندكم (ثم اتوا صفا) أي جملة واحدة ثم حضوا بعضهم بعضا على التقدم في هذا المقام لان فرعون كان قد وعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه ٦٥ - ٦٩].

لما اصطف السحرة، ووقف موسى وهارون تجاههم قالوا له: إما أن تلقي قبلنا (٣)، وإما أن نلقي قبلك (قال بل ألقوا) أنتم وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصي فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطرابا يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها … وإنما تتحرك بسبب ذلك. فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم وألقوا حبالهم وعصيهم وهم يقولون (بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) [الشعراء: ٤٤]. قال الله تعالى (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم) [الأعراف: ١١٦]. وقال تعالى (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى)


(١) في القرطبي: تشاوروا.
(٢) أي جميع ما عندكم من كيد وحيلة واعزموا وجدوا واحكموا أمركم.
(٣) في قولهم (إما أن تلقي) فيه أدب تجاه موسى وكان ذلك إشارة إلى - قرب إيمانهم - وأحد أسبابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>