للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا وَتَقَدَّمَ إِلَى الْحَوْضِ فَكَادَ حَمْزَةُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَمَا سُحِبَ إِلَّا سحباً بَيْنِ يَدَيْهِ، فَلِهَذَا كَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ يَقُولُ: لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ.

ولما ركب رسول الله إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران خَرَجَ حَكِيمٌ وَأَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَارَ، فَلَقِيَهُمَا الْعَبَّاسُ، فَأَخَذَ أَبَا سُفْيَانَ فَأَجَارَهُ وَأَخَذَ لَهُ أَمَانًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ لَيْلَتَئِذٍ كُرْهًا، وَمِنْ صَبِيحَةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَسْلَمَ حَكِيمٌ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَينًا، وأعطاه مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قال: " يا حكيم إن هذه الْمَالُ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ بورك له فيه، ومن أخذه بإسراف نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ ".

فَقَالَ حَكِيمٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحق لا أرزأ بعدك أبداً، فلم يرزأ أحد بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا كَانَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، مَاتَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ مَاتَ وَلِحَكِيمٍ عَلَيْهِ مِائَةُ أَلْفٍ، وَقَدْ كَانَ بِيَدِهِ حِينَ أَسْلَمَ الرِّفَادَةُ وَدَارُ النَّدْوَةِ فَبَاعَهَا بَعْدُ مِنْ مُعَاوِيَةَ

بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِعْتَ مَكْرُمَةَ قُرَيْشٍ؟ فقال له حكيم: ابن أخي ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى، يا بن أَخِي إِنِّي اشْتَرَيْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِزِقِّ خَمْرٍ، وَلَأَشْتَرِيَنَّ بِهَا دَارًا فِي الْجَنَّةِ، أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْعَدْلِ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ صَارَ سِنُّهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، إِلَّا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَإِنَّهُ دَخَلَهَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ أَنَّ حَكِيمًا حَجَّ عَامًا فَأَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ مُجَلِّلَةٍ، وَأَلْفَ شَاةٍ، وَأَوْقَفَ مَعَهُ بِعَرَفَاتٍ مِائَةَ وَصَيْفٍ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَطَوِقَةُ الْفِضَّةِ، وَقَدْ نُقِشَ فِيهَا: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَأَعْتَقَهُمْ وَأَهْدَى جَمِيعَ تِلْكَ الْأَنْعَامِ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ.

تُوُفِّيِّ حَكِيمٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ غير ذلك وله مائة وعشرون سنة.

حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَامِرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَكَانَ قَدْ عُمِّرَ دَهْرًا طَوِيلًا، وَلِهَذَا جَعَلَهُ عُمَرُ فِي النَّفر الَّذِينَ جَدَّدُوا أَنْصَابَ الْحَرَمِ، وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَأَى الْمَلَائِكَةَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَسَعَى فِي الصُّلْحِ، فَلَمَّا كَانَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَانَ هُوَ وَسُهَيْلٌ هُمَا اللَّذَانِ أَمَرَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ لَا تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَهُمُّ بِالْإِسْلَامِ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا يُرِيدُ، فلمَّا كَانَ زَمَنُ الْفَتْحِ خِفْتُ خَوْفًا شَدِيدًا وَهَرَبْتُ فَلَحِقَنِي أَبُو ذَرٍّ - وَكَانَ لِي خَلِيلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ -.

فَقَالَ: يا حويطب مالك؟ فَقُلْتُ: خَائِفٌ، فَقَالَ: لَا تَخَفْ فَإِنَّهُ أَبَرُّ الناس: وأوصل الناس، وأنا لك جار فَاقْدَمْ مَعِي، فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَوَقَفَ بِي عَلَى رسول الله وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَقَدْ عَلَّمَنِي أَبُو ذَرٍّ أَنْ أَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَلَمَّا قُلْتُ ذلك قال: " حويطب "؟ قلت: نعم! شهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ " وسُرَ بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>