للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: معاوية، فقال: وصلت رحماً يا أمير المؤمنين، فكان معاوية على الشام، وَعُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ وَاسْتَخْلَفَ مُعَاذًا، فَمَاتَ مُعَاذٌ وَاسْتَخْلَفَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَمَاتَ وَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ فَأَقَرَّهُ عُمَرُ، وَوَلَّى عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِلَسْطِينَ وَالْأُرْدُنَّ، وَمُعَاوِيَةَ دِمَشْقَ وبعلبك والبلقاء، وولى

سعد بن عامر بن جذيم حِمْصَ، ثُمَّ جَمَعَ الشَّامَ كُلَّهَا لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أبي سفيان، ثم أمره عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى الشَّامِ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: أَفْرَدَ عُمرُ مُعَاوِيَةَ بِإِمْرَةِ الشَّامِ، وَجَعَلَ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَمَانِينَ دِينَارًا.

وَالصَّوَابُ أَنَّ الَّذِي جَمَعَ لِمُعَاوِيَةَ الشَّامَ كُلَّهَا عثمان بن عفان، وأما عمر فإنه إِنَّمَا وَلَّاهُ بَعْضَ أَعْمَالِهَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا عُزِّيَتْ هِنْدُ فِي يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا - قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ جَعَلَ مُعَاوِيَةَ أَمِيرًا مَكَانَهُ، فَقَالَتْ: أَوَ مِثْلُ مُعَاوِيَةَ يُجْعَلُ خَلَفًا مِنْ أَحَدٍ؟ فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْعَرَبَ اجْتَمَعَتْ مُتَوَافِرَةً ثُمَّ رُمي بِهِ فيها لخرج من أي أعراضها (نواحيها) شَاءَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: ذُكِرَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: دَعُوا فَتَى قُرَيْشٍ وَابْنَ سَيِّدِهَا، إِنَّهُ لَمَنْ يَضْحَكُ فِي الْغَضَبِ وَلَا يُنَالُ مِنْهُ إلا على الرضا، ومن لا يؤخذ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَّا مِنْ تَحْتِ قَدْمَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قدامة الجوهري، حدثني عبد العزيز بن يحيى، عَنْ شَيْخٍ لَهُ.

قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الشَّامَ تَلَقَّاهُ مُعَاوِيَةُ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أنت صاحب الموكب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: هذا حالك مَعَ مَا بَلَغَنِي مِنْ طُولِ وُقُوفِ ذَوِي الحاجات ببابك؟ قال: هو مَا بَلَغَكَ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: وَلِمَ تَفْعَلُ هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافياً إلى بلاد الحجاز، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا بِأَرْضٍ جَوَاسِيسُ العدو فيها كثيرة، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ويرهبهم بِهِ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي فَعَلْتُ، وَإِنْ نَهَيْتَنِي انْتَهَيْتُ.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا سَأَلْتُكَ عن شئ إِلَّا تَرَكْتَنِي فِي مِثْلِ رَوَاجِبِ الضِّرْسِ، لَئِنْ كان ما قلت حقاً إنه لرأي أريت (١) ، ولئن كان باطلاً إنه لخديعة أديت.

قال: فمرني يا أمير المؤمنين بما شئت، قَالَ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَحْسَنَ مَا صَدَرَ الْفَتَى عَمَّا أَوْرَدْتَهُ فِيهِ؟ ! فَقَالَ عُمَرُ: لِحُسْنِ موارده ومصادره جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَلَقَّى عُمَرَ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ، وَمُعَاوِيَةُ فِي مَوْكِبٍ كَثِيفٍ، فَاجْتَازَ بِعُمَرَ وَهُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَاكِبَانِ عَلَى حِمَارٍ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ جَاوَزْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَجَعَ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرَ تَرَجَّلَ وَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ مَا ذَكَرْنَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: مَا أَحْسَنَ مَا صَدَرَ عَمَّا أَوْرَدْتَهُ فِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ ! فَقَالَ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن ذِئْبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ أبيض نص وبّاص، أبضّ الناس وأجملهم،


(١) في الاستيعاب هامش الاصابة ٣ / ٣٩٧: أريب وإن كان باطلاً أنه لخدعة أديب.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>