للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَامَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَلَمْ يَقُمْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ! فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَحَبَّ أن يتمثل له العباد قياماً فليبتوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار ".

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثُ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بن سعد المقري الْحِمْصِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ إِنْ تَتَبَّعْتَ عَوْرَاتِ النَّاس أَفْسَدَتْهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ".

قال: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا.

تَفَرَّدَ به أحمد - يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ السِّيرَةِ، حَسَنَ التَّجَاوُزِ، جَمِيلَ الْعَفْوِ، كَثِيرَ السِّتْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ.

أنَّه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَقُولُ: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يعطي، ولا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ".

وَفِي رِوَايَةٍ " وَهُمْ عَلَى

ذَلِكَ " وَقَدْ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ يُخْبِرُ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُمْ بِالشَّامِ - يحث بِهَذَا أَهْلَ الشَّام عَلَى مُنَاجَزَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: " وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ هُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا " وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ مُعَاوِيَةُ لِأَهْلِ الشَّامِ فِي قِتَالِهِمْ أَهْلَ الْعِرَاقِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: فَتَحَ مُعَاوِيَةُ قَيْسَارِيَّةَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ فِي دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ الخطاب.

وقال غيره: وفتح قبرص سنة خمس وقيل سَبْعٍ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ.

قَالُوا: وَكَانَ عَامَ غَزْوَةِ الْمَضِيقِ - يَعْنِي مَضِيقَ القسطنطينية - في سنة ثنتين وثلاثين في أيامه وكان هو الأمير على الناس عامئذ.

وجمع عثمان لمعاوية جميع الشام، وقيل إن عمر هو الذي جمعها له، والصحيح عثمان.

واستقضى مُعَاوِيَةُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ بَعْدَ قَتَلِ عُثْمَانَ، عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا قِتَالٌ عَظِيمٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ مَعَ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةُ مَعْذُورٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَقَدْ شَهِدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْإِسْلَامِ لِلْفَرِيقَيْنِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ - أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ - كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " تمرق مارقة على خير فُرقة مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَّائفتين إِلَى الْحَقِّ " (١) فَكَانَتِ الْمَارِقَةُ الْخَوَارِجَ، وَقَتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ قُتل عَلِيٌّ فَاسْتَقَلَّ مُعَاوِيَةُ بِالْأَمْرِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَ يَغْزُو الرُّومَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً فِي الصَّيْفِ وَمَرَّةً فِي الشتاء، ويأمر بجلا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سَنَةَ خَمْسِينَ، وَحَجَّ ابْنُهُ يَزِيدُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ.

وَفِيهَا أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا أَغْزَاهُ بِلَادَ الرُّومِ فَسَارَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ حَتَّى حَاصَرَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: " أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لهم ".

وَقَالَ وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ.

قال: كان الحادي


(١) أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد في الزكاة (٤٧) باب.
ح (١٥٠) و (١٥١) وفيه: تمرق مارقة عند فرقة المسلمين تقتلها أولى الطَّائفتين بالحق.
وفي رواية من طريق أبي أحمد: تقتلهم أقرب الطائفتين من الحق ح (١٥٣) .
ص ٢ / ٧٤٦.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>