للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنْ يساعده في بناء داره بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ جِذْعٍ مِنَ الْخَشَبِ.

فَقَالَ له معاوية: أين دارك؟ قال: بالبصرة، قال: وَكَمِ اتِّسَاعُهَا؟ قَالَ: فَرْسَخَانِ فِي فَرْسَخَيْنِ، قَالَ: لَا تَقُلْ دَارِي بِالْبَصْرَةِ، وَلَكِنْ قُلِ: الْبَصْرَةُ فِي دَارِي.

وَذَكَرَ أنَّ رَجُلًا دَخَلَ بِابْنٍ مَعَهُ فَجَلَسَا عَلَى سِمَاطِ مُعَاوِيَةَ فَجَعَلَ وَلَدُهُ يَأْكُلُ أَكْلًا ذَرِيعًا، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يُلَاحِظُهُ، وَجَعَلَ أَبُوهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَفْطِنُ، فَلَمَّا خَرَجَا لَامَهُ أَبُوهُ وَقَطَعَهُ عَنِ الدُّخُولِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ! أَيْنَ ابْنُكَ التِّلْقَامَةُ؟ قَالَ: اشْتَكَى.

قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَكْلَهُ سَيُورِثُهُ دَاءً.

قَالَ: وَنَظَرَ مُعَاوِيَةُ إِلَى رَجُلٍ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُخَاطِبُهُ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ فَجَعَلَ يَزْدَرِيهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ لَا تخاطب العباءة، إنما يخاطبك من بها.

وقال معاوية: أفضل الناس مَنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا غَضِبَ كَظَمَ، وَإِذَا قَدَرَ غَفَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ، وَإِذَا أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ.

وَكَتَبَ رَجُلٌ (١) مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا الرِّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلَادُهَا * وَاضْطَرَبَتْ مِنْ كِبَرٍ أَعَضَادُهَا وَجَعَلَتْ أَسْقَامُهَا تَعْتَادُهَا * فَهِيَ زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَعَى إِلَيَّ نَفْسِي وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ السَّهْمِيِّ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ كُلْثُومٍ أَنَّ آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ أَنْ قَالَ: أَيُّهَا الناس! إن مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتَحْصَدَ، وَإِنِّي قَدْ وَلِيتُكُمْ ولن يليكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، كَمَا كَانَ مَنْ وليكم قبلي خيراً مني (٢) ، ويا زيد إذا دنا أَجْلِي فولِّ غُسْلِي رَجُلًا لَبِيبًا، فَإِنَّ اللَّبِيبَ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ، فَلْيُنْعِمِ الْغُسْلَ وَلْيَجْهَرْ بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى مَنْدِيلٍ فِي الْخِزَانَةِ فِيهِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرَاضَةٌ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، فَاسْتَوْدِعِ القراضة أنفي وفمي، وأذني وعيني (٣) ، واجعل ذلك الثوب مما يلي

جلدي دون لفافي، وَيَا يَزِيدُ احْفَظْ وَصِيَّةَ اللَّهِ فِي الْوَالِدَيْنِ، فَإِذَا أَدْرَجْتُمُونِي فِي جَرِيدَتِي وَوَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَخَلُّوا مُعَاوِيَةَ وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ جَعَلَ يَقُولُ: لَعَمْرِي لَقَدْ عُمِّرْتُ فِي الدَّهْرِ بُرْهَةً * وَدَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِوَقْعِ الْبَوَاتِرِ وَأُعْطِيتُ حمر المال والحكم والنهى * ولي سلمت كل الملوك الجبابر


(١) في الطبري ٦ / ١٨٧: زر بن حبيش أو أيمن بن خريم.
(٢) في الكامل للمبرد ٢ / ٣٨١: ولن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه كما لم يكن قبلي إلا من هو خير مني.
(٣) في ابن الاعثم ٤ / ٢٦٤ قال: اعملوا أني كنت بَيْنَ يَدَيِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ذات يوم وهو يقلم أظفاره فأخذت من قلامته فجعلتها في قارورة فهي عندي، وعندي أيضا شئ من شعره، إذا أنا مت وغسلتموني وكفنتموني فقطعوا تلك القلامة فاجعلوها في عيني، واجعلوا الشعر في فمي وأذني.. (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>