للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذي القعدة، وكان متآلهاً مُتَكَبِّرًا، وَسَلَّطَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ - وَكَانَ عَدُوًّا لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ - عَلَى حَرْبِهِ وَجَرَّدَهُ لَهُ، وَجَعَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مكة لحرب ابن الزُّبَيْرِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلى مكة: إيذن لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قلبي حين تلكم به إنه حمد الله وأثنى عليه وقال: " إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهَا لِأَحَدٍ كَانَ قبلي، ولم تحل لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً من نهار، ثم قد صارت حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ".

وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنَ لَكُمْ " فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي نَحْنُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ (١) (٢) .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَلَّى عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ شُرْطَةَ الْمَدِينَةِ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ فَتَتَبَّعَ أَصْحَابَ أَخِيهِ وَمَنْ يَهْوَى هَوَاهُ، فَضَرَبَهُمْ ضَرْبًا شَدِيدًا حَتَّى ضَرَبَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ ضَرَبَ أَخَاهُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزبير، وانه لابد أن يأخذ أخاه عبد الله في جامعة (٣) من فضة حتى يقدم به على الخليفة، فضرب المنذر بن الزبير، وابنه محمد بن المنذر، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، ومحمد بن عمار بن ياسر وغيرهم، ضربهم من الأربعين إلى الخمسين إلى الستين جلدة، وفرَّ منه عبد الرحمن بن عثمان التيمي، وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل في أناس إلى (٤) مكة ثُمَّ جَاءَ الْعَزْمُ مِنْ يَزِيدَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فِي تَطَلُّبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ بَايَعَ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ إِلَيَّ فِي جَامِعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ بُرْنُسِهِ، فَلَا تُرَى

إِلَّا أَنَّهُ يُسْمَعُ صَوْتُهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ مَنَعَ الْحَارِثَ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ نَائِبَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَلَيْهَا، فَحِينَئِذٍ صَمَّمَ عَمْرٌو عَلَى تَجْهِيزِ سَرِيَّةٍ إِلَى مَكَّةَ بِسَبَبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَشَارَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ: مَنْ يَصْلُحُ أَنْ نَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ لِأَجْلِ قِتَالِهِ؟ فقال


(١) ولا فاراً بخربة: هي بفتح الخاء وإسكان الراء، هذا هو المشهور، ويقال بضم الخاء أيضا حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون وأصلها سرقة الابل، وتطلق على كل خيانة.
قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الارض.
(٢) أخرجه البخاريّ عن سعيد بن شرحبيل عن الليث في المغازي (٦٤) ح (٤٩٢٥) فتح الباري (٨ / ٢٠) .
وأخرجه في العلم باب ليبلغ الشاهد الغائب عن عبد الله بن يوسف، وفي الحج باب لا يعضد شجرة الحرم.
عن قتيبة.
وأخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد في الحج (١٥) ، (٨٢) باب.
ح (٤٤٦) ص ٢ / ٩٨٧.
والترمذي في أوَّل كتاب الحج عن قتيبة وقال حسن صحيح.
(٣) الجامعة: الغل والقيد، وسميت بالغل لانها تجمع اليدين إلى العنق.
(٤) من الطبري والكامل، وفي الاصل: من، تحريف.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>