للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيوتكم قبلة) قيل مساجد، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها، قاله مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم. ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة كما قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة: ٤٥] وكان رسول الله إذا حزبه أمر صلى. وقيل معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم عوضا عما فاتهم من إظهار شعار الدين الحق في ذلك الزمان الذي اقتضى حالهم اخفاءه خوفا من فرعون وملائه. والمعنى الأول أقوى لقوله (وبشر المؤمنين) وإن كان لا ينافي الثاني أيضا والله أعلم. وقال سعيد بن جبير (واجعلوا بيوتكم قبلة) أي متقابلة (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) [يونس: ٨٨ - ٨٩] هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضبا عليه لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي فقال (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه) يعني قومه من القبط ومن كان على ملته ودان بدينه (زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا، فيحسب الجاهل أنهم على شئ لكون هذه الأموال وهذه الزينة من اللباس والمراكب الحسنة الهنية، والدور الأنيقة، والقصور المبنية، والمآكل الشهية، والمناظر البهية، والملك العزيز، والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين (ربنا اطمس على أموالهم) قال ابن عباس ومجاهد أي أهلكها [حتى لا ترى] (٣) وقال أبو العالية والربيع بن أنس والضحاك اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت، وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم [وأموالهم] (١) صارت حجارة. وقال محمد بن كعب: جعل سكرهم حجارة وقال أيضا صارت أموالهم كلها حجارة. ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال عمر ابن عبد العزيز لغلام له: قم ايتني بكيس، فجاءه بكيس (٢) فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة … رواه ابن أبي حاتم. وقوله (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) [يونس: ٨٨] قال ابن عباس: أي أطبع عليها (٣)، وهذه دعوة غضب لله تعالى، ولدينه، ولبراهينه. فاستجاب الله تعالى لها وحققها وتقبلها، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [نوح: ٢٦ - ٢٧]


(١) ما بين معكوفين زيادة من القرطبي.
(٢) في الطبري: بخريطة; والخريطة: كيس.
(٣) أطبع عليها حتى لا تنشرح للايمان، وبمعنى آخر أي أمنعهم الايمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>