للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولها بالمطارون إِذَا * أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا (١) نُزْهَةٌ حَتَّى إذا بلغت * نزلت من خلّق تبعا فِي قبابٍ وَسْطَ دسكرةٍ * حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ ينعا ومن شعره: وقائلةٌ لِي حِينَ شَبَّهْتُ وَجْهَهَا * بِبَدْرِ الدُّجَى يَوْمًا وَقَدْ ضَاقَ مَنْهَجِي (٢) تُشَبِّهُنِي بِالْبَدْرِ هَذَا تناقصٌ * بِقَدْرِي وَلَكِنْ لَسْتُ أَوَّلَ مَنْ هُجِي أَلَمْ تَرَ أنَّ الْبَدْرَ عِنْدَ كَمَالِهِ * إِذَا بلغ التشبيه عاد كدملجي فَلَا فَخْرَ إِنْ شَبَّهْتَ بِالْبَدْرِ مَبْسَمِي * وَبِالسِّحْرِ أجفاني وبالليل مدعجي (٣) قد ذكره الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَزَرِيِّ قَالَ: كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ يُقَالُ لَهَا سلامة، من أحسن النساء وجهاً، وأحسنهن عقلاً وأحسنهن قداً، قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ.

وَرَوَتِ

الشِّعْرَ وَقَالَتْهُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ وَالْأَحْوَصُ بْنُ مُحَمَّدٍ يجلسان إليها.

فعلقت بالاحوص فصدت عن عبد الرحمن، فرحل ابن حسان إلى يزيد بن معاوية إلى الشام فَامْتَدَحَهُ وَدَلَّهُ عَلَى سَلَّامَةَ وَجَمَالِهَا وَحُسْنِهَا وَفَصَاحَتِهَا.

وَقَالَ: لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ سُمَّارِكَ، فَأَرْسَلَ يَزِيدُ فَاشْتُرِيَتْ لَهُ وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ، فَوَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعًا عَظِيمًا، وَفَضَّلَهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ عِنْدَهُ، وَرَجَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَرَّ بِالْأَحْوَصِ فَوَجَدَهُ مَهْمُومًا، فَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَهُ إِلَى مَا بِهِ من الهم هماً فقال: يا مبتلى بالحب مقروحا * لَاقَى مِنَ الْحُبِّ تَبَارِيحَا أَفْحَمَهُ الْحُبُّ فَمَا يَنْثَنِي * إِلَّا بِكَأْسِ الْحُبِّ مَصْبُوحَا وَصَارَ مَا يُعْجِبُهُ مُغْلَقًا * عَنْهُ وَمَا يَكْرَهُ مَفْتُوحَا قَدْ حَازَهَا مَنْ أَصْبَحَتْ عِنْدَهُ * يَنَالُ مِنْهَا الشمَّ وَالرِّيحَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فَسَلِّ الْهَوَى * وعزَّ قَلْبًا مِنْكَ مَجْرُوحَا قَالَ: فَأَمْسَكَ الْأَحْوَصُ عَنْ جَوَابِهِ ثم غلبه وجدة عليها فسار إلى يزيد فامتدحه فأكرمه يزيد وَحَظِيَ عِنْدَهُ، فَدَسَّتْ إِلَيْهِ سَلَّامَةُ خَادِمًا وَأَعْطَتْهُ مالاً على أن يدخله إليها، فَأَخْبَرَ الْخَادِمُ يَزِيدَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: امْضِ لِرِسَالَتِهَا، فَفَعَلَ وَأَدْخَلَ الْأَحْوَصَ عَلَيْهَا وَجَلَسَ يَزِيدُ فِي مَكَانٍ يَرَاهُمَا وَلَا يَرَيَانِهِ، فَلَمَّا بَصُرَتِ الْجَارِيَةُ بِالْأَحْوَصِ بَكَتْ إِلَيْهِ وَبَكَى إِلَيْهَا، وَأَمَرَتْ فأُلقي له كرسي فقعد


(١) المطارون: موضع بالشام.
(٢) المنهج: البهر وتتابع النفس.
(٣) مدعجي: الدعجة: سواد العين مع سعتها.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>