للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِصَاحِبِهِ، فَدَعَا الشَّامِيُّونَ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ إِلَى الدُّخول فِي طَاعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ (١) ، وَدَعَا أَصْحَابُ سليمان الشاميين إلى أن يسلموا إلى إليهم عبيد الله بن زياد فيقتلونه عَنِ الْحُسَيْنِ، وَامْتَنَعَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُجِيبَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ الْآخَرَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ إِلَى اللَّيْلِ، وَكَانَتِ الدَّائِرَةُ فِيهِ لِلْعِرَاقِيِّينَ عَلَى الشَّامِيِّينَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصْبَحَ ابْنُ ذِي الْكَلَاعِ وَقَدْ وَصَلَ إِلَى الشاميين في ثمانية عشر (٢) ألف فارس، وقد أنّبه وشتمه ابن زِيَادٍ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ فِي هَذَا الْيَوْمِ قِتَالًا لَمْ يَرَ الشِّيبُ وَالْمُرْدُ مِثْلَهُ قَطُّ، لَا يَحْجِزُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَصَلَ إِلَى الشَّامِيِّينَ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ فِي عَشَرَةِ آلاف، ذلك فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى حِينِ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ اسْتَدَارَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَحَاطُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَخَطَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ النَّاسَ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا عَظِيمًا جِدًّا، ثُمَّ تَرَجَّلَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَنَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ، مَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ، إِلَى الْجَنَّةِ وَالتَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ وَالْوَفَاءَ بِعَهْدِهِ فَلْيَأْتِ إليَّ، فَتَرَجَّلَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرُونَ وَكَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، وَحَمَلُوا حَتَّى صَارُوا فِي وَسَطِ الْقَوْمِ.

وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الشَّام مَقْتَلَةً عَظِيمَةً حَتَّى خَاضُوا فِي الدِّمَاءِ، وقُتل سُلَيْمَانُ بْنُ صرد أمير العراقيين، رماه رجل يقال له يَزِيدُ بْنُ الْحُصَيْنِ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ، ثُمَّ وَثَبَ ثم وقع ثم وثب ثم وقع، وهو يقول: فزت ورب الكعبة فَأَخَذَ الرَّايَةَ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فَقَاتَلَ بِهَا قِتَالًا شَدِيدًا وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ مَيَّالَةُ الذَّوَائِبِ * وَاضِحَةَ اللَّبَاتِ وَالتَّرَائِبِ أَنِّي غَدَاةَ الرَّوْعِ والتغالب * أشجع من ذي لبدةٍ مواثب * قصاع أقرانٍ مخوف الجانب * (٣) ثم قاتل قتالاً شديداً فقضى ابن نجبة نحبه، ولحق في ذلك الموقف صحبه رحمهم الله، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نفيل فقاتل قتالاً شديداً أيضاً، وحمل حينئذ ربيعة بن مخارق عَلَى أَهْلِ

الْعِرَاقِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، وَتَبَارَزَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، ثُمَّ اتَّحَدَا فَحَمَلَ ابْنُ أَخِي رَبِيعَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ احْتَمَلَ عَمَّهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ والٍ، فَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ وَجَعَلَ يَقُولُ: الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ - وَذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ - وَحَمَلَ بِالنَّاسِ فَفَرَّقَ من كان حوله ثم


(١) في الطبري ٧ / ٧٥ وابن الاعثم ٦ / ٨٢ والكامل ٤ / ١٨٢: عبد الملك بن مروان.
والصواب مروان بن الحكم فوقعة عين الوردة كانت في جمادى الأولى، وكانت وفاة مروان على الارجح في رمضان سنة ٦٥ هـ، ولعل من قال عبد الملك يريد اعلان الطاعة والقبول بولاية عهد عبد الملك وقد كانت البيعة بولاية العهد قد أخذت له.
(٢) في الطبري: ثمانية آلاف.
(٣) ذكر ابن الاعثم ٦ / ٨٣ شعر المسيب قال: لقد منيتم يا أخي جلادي * بيت المقام مقفص الاعادي ليس بفرار ولا حياد * أَشْجَعُ مِن ليثِ عرين عادي (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>