للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ فَرَجَعُوا إِلَى الْمُخْتَارِ فَأَخْبَرُوهُ، فَمَكَثَ ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ فِي جَمَاعَةٍ من رؤس أَصْحَابِهِ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ فَقَامَ إليه واحترمه وأكرمه وجلس إليه، فدعاه إِلَى الدُّخُولِ مَعَهُمْ، وَأَخْرَجَ لَهُ كِتَابًا عَلَى لِسَانِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ مَعَ أَصْحَابِهِ مِنَ الشِّيعَةِ فِيمَا قَامُوا فِيهِ مِنْ نصرة آل البيت النبي صلى الله عليه وسلم، والأخذ بثأرهم.

فقال ابن الأشتر: إنه قد جائتني كتب محمد بن الْحَنَفِيَّةِ بِغَيْرِ هَذَا النِّظَامِ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ: إِنَّ هذا زمان وهذا زمان، فقال ابن الْأَشْتَرِ: فَمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ؟ فَتَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ فَشَهِدُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ ابْنُ الْأَشْتَرِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَ الْمُخْتَارَ فِيهِ وَبَايَعَهُ، وَدَعَا لَهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَشَرَابٍ مِنْ عَسَلٍ.

قال الشعبي: وكنت حاضراً أنا وأبي أمر إبراهيم بن الأشتر.

ذلك المجلس، فلما انصرف المختار قال إبراهيم بن الأشتر: يا شعبي ما تَرَى فِيمَا شَهِدَ بِهِ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قراه وَأُمَرَاءٌ وَوُجُوهُ النَّاسِ، وَلَا أَرَاهُمْ يُشْهِدُونَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُونَ، قَالَ: وَكَتَمْتُهُ مَا فِي نَفْسِي مِنِ اتِّهَامِهِمْ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْأَخْذِ بِثَأْرِ

الْحُسَيْنِ، وَكُنْتُ عَلَى رَأْيِ الْقَوْمِ.

ثُمَّ جَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَخْتَلِفُ إِلَى الْمُخْتَارِ فِي مَنْزِلِهِ هُوَ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُ الشِّيعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ ليلة الخمس لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ [مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ] (١) مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ.

وَقَدْ بَلَغَ ابْنَ مُطِيعٍ أَمْرُ الْقَوْمِ وَمَا اشْتَوَرُوا عَلَيْهِ، فَبَعَثَ الشُّرَطَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جوانب الكوفة وألزم كل أمير أن يحفظ نَاحِيَتِهِ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الثُّلَاثَاءِ خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ قَاصِدًا إِلَى دَارِ الْمُخْتَارِ فِي مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَعَلَيْهِمُ الدُّرُوعُ تَحْتَ الْأَقْبِيَةِ، فَلَقِيَهُ إِيَاسُ بْنُ مُضَارِبٍ (٢) فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يا بن الْأَشْتَرِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ إِنَّ أَمَرَكَ لِمُرِيبٌ، فَوَاللَّهِ لَا أَدْعُكَ حَتَّى أُحْضِرَكَ إِلَى الْأَمِيرِ فيرى فيك رأيه، فتناول ابن الْأَشْتَرِ رُمْحًا مِنْ يَدِ رَجُلٍ فَطَعَنَهُ فِي ثُغْرَةِ نَحْرِهِ فَسَقَطَ، وَأَمَرَ رَجُلًا فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ فَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ: بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَهَذَا طَائِرٌ صَالِحٌ.

ثُمَّ طَلَبَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْمُخْتَارِ أَنْ يَخْرُجَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَأَمَرَ الْمُخْتَارُ بالنار أن ترفع وأن ينادي شعار أَصْحَابِهِ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ، يَا ثَارَاتِ الْحُسَيْنِ.

ثُمَّ نَهَضَ الْمُخْتَارُ فَجَعْلَ يَلْبَسُ دِرْعَهُ وَسِلَاحَهُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ بَيْضَاءُ حَسْنَاءُ الطَّلَلْ * وَاضِحَةُ الْخَدَّيْنِ عَجْزَاءُ الْكَفَلْ * أَنِّي غَدَاةَ الرَّوْعِ مِقْدَامٌ بَطَلْ * وَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ فَجَعَلَ يَتَقَصَّدُ الْأُمَرَاءَ الْمُوَكَّلِينَ بِنَوَاحِي الْبَلَدِ فيطردهم عن أماكنهم واحداً واحدا.

وينادي شعار الْمُخْتَارِ، وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ فَنَادَى بشعار المختار، يا


(١) ما بين معكوفتين سقط من الاصل واستدرك من الطبري ٦ / ١٠٠ والكامل ٤ / ٢١٦، وفي ابن الاعثم ٦ / ٩٨: ربيع الآخر.
(٢) في الاخبار الطوال ص ٢٩٠: إياس بن نضار العجلي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>