للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أبان بن عثمان أمير المدينة النبوية، وفيها قُتِلَ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ التَّمِيمِيُّ أَبُو نَعَامَةَ الْخَارِجِيُّ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْمَشَاهِيرِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ مَكَثَ عِشْرِينَ سَنَةً يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِالْخِلَافَةِ، وَقَدْ جَرَتْ لَهُ خُطُوبٌ وَحُرُوبٌ مَعَ جَيْشِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْهَا طَرَفًا صَالِحًا فِي أَمَاكِنِهِ، وَكَانَ خُرُوجُهُ فِي زَمَنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير، وَتَغَلَّبَ عَلَى قلاعٍ كَثِيرَةٍ وَأَقَالِيمَ وَغَيْرِهَا، وَوَقَائِعُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ جُيُوشًا كبيرة فَهَزَمَهَا، وَقِيلَ إِنَّهُ بَرَزَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْحَرُورِيَّةِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَعْجَفَ وَبِيَدِهِ عمود حديد، فلما قرب منه كشب قَطَرِيٌّ عَنْ وَجْهِهِ فَوَلَّى الرَّجُلُ هَارِبًا فَقَالَ لَهُ قَطَرِيٌّ إِلَى أَيْنَ؟ أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَفِرَّ وَلَمْ تَرَ طَعْنًا وَلَا ضَرْبًا؟ فَقَالَ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِي أَنْ يَفِرَّ مِنْ مِثْلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ الْأَبْرَدِ الْكَلْبِيُّ فِي جَيْشٍ فَاقْتَتَلُوا بِطَبَرِسْتَانَ، فَعَثَرَ بِقَطَرِيٍّ فَرَسُهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَحَمَلُوا رَأْسَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ سَوْدَةُ بْنُ الْحُرِّ الدَّارِمِيُّ (١) ، وَكَانَ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ مَعَ شَجَاعَتِهِ الْمُفَرِطَةِ وَإِقْدَامِهِ مِنْ خُطَبَاءَ الْعَرَبِ الْمَشْهُورِينَ

بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَجَوْدَةِ الْكَلَامِ وَالشِّعْرِ الْحَسَنِ، فَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ يُشَجِّعُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ وَمَنْ سَمِعَهَا انْتَفَعَ بِهَا: أَقُولُ لَهَا وَقَدْ طَارَتْ شَعَاعًا (٢) * مِنَ الْأَبْطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعِي فَإِنَّكِ لو طلبت بَقَاءَ يومٍ (٣) * عَلَى الْأَجَلِ الَّذِي لَكَ لِمَ تُطَاعِي فَصَبْرًا فِي مَجَالِ الْمَوْتِ صَبْرًا * فَمَا نيل الخلود بمستطاعي وَلَا ثَوْبُ الْحَيَاةِ (٤) بِثَوْبِ عِزٍّ * فَيُطْوَى عَنْ أخي الخنع اليراعي سَبِيلُ الْمَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حيٍ (٥) * وَدَاعِيهِ لِأَهْلِ الأرض داع فمن لَا يَغْتَبِطْ يَسْأَمْ وَيَهْرَمْ * وَتُسْلِمْهُ الْمَنُونُ إِلَى انقطاعي (٦)


(١) في ابن الاثير ٤ / ٤٤٢ سورة بن الحر التميمي، وفي الطبري ٧ / ٢٧٥: سورة بن أبجر التميمي، وذكرا أنه وآخرين معه قتلوه وكل منهم ادعى قتله.
وفي ابن الاعثم ٧ / ٨٠: قتله باذام واحتز رأسه (وفي ابن الاثير باذان مولاهم - كان في الجماعة التي قدمت عليه وقتلوه) .
(٢) في امالي المرتضى ١ / ٦٣٦ إذا جاشت حياء.
وفي نهاية الارب: وقولي كلما جشأت وجاشت، وفي عيون الاخبار والحيوان: وقولي كلما جشأت لنفسي طارت شعاعا: أي تفرقت وانتشرت من الخوف.
(٣) في امالي المرتضى والتبريزي ولباب الآداب: والحيوان: حياة يوم.
(٤) في امالي المرتضى: وما طول الحياة بثوب مجد، وفي لباب الآداب، وما ثوب أخو الخنع.
الخنع: الذليل، واليراع: الجبان.
(٥) في امالي المرتضى ولباب الآداب: منهج كل حي.
(٦) في بهجة المجالس: يهرم ويسقم، وفي امالي المرتضى: وتفض به المنون.
وفي اللباب: ويفض به الامان.
يعتبط: يموت من غير علة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>