للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسل الحجاج إليه، فلما كانوا ببعض الطريق بمكان يقال له الرجح، صعد ابن الأشعث وهو مقيد بالحديد إلى سطح قصر ومعه رجل موكل به لئلا يفر، وألقى نفسه من ذلك القصر وسقط معه الموكل به فماتا جميعا (١)، فعمد الرسول إلى رأس ابن الأشعث فاحتزه، وقتل من معه من أصحاب ابن الأشعث وبعث برؤوسهم إلى الحجاج فأمر فطيف برأسه في العراق، ثم بعثه إلى عبد الملك فطيف برأسه في الشام، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بمصر فطيف برأسه هنالك، ثم دفنوا رأسه بمصر (٢) وجثته بالرجح، وقد قال بعض الشعراء في ذلك: -

هيهات موضع جثة من رأسها … رأس بمصر وجثة بالرجح (٣)

وإنما ذكر ابن جرير مقتل ابن الأشعث في سنة خمس وثمانين فالله أعلم.

وعبد الرحمن هذا هو أبو محمد بن الأشعث بن قيس، ومنهم من يقول عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الكوفي، قد روى له أبو داود والنسائي عن أبيه عن جده عن ابن مسعود: حديث " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما قال البائع أو تشاركا ". وعنه أبو العميس ويقال إن الحجاج قتله بعد التسعين سنة فالله أعلم. والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالامارة وليس من قريش، وإنما هو كندي من اليمن، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الامارة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتى إن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين فأبى الصديق عليهم ذلك، ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة الذي دعا إلى ذلك أولا ثم رجع عنه، كما قررنا ذلك فيما تقدم. فكيف يعمدون إلى خليفة قد بويع له بالامارة على المسلمين من سنين فيعزلونه وهو من صلبية قريش ويبايعون لرجل كندي بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد؟ ولهذا لما كانت هذه زلة وفلتة نشأ بسببها شر كبير هلك فيه خلق كثير فإنا لله وإنا إليه راجعون.


(١) في الطبري ٨/ ٤٠: فألقى نفسه من فوق إجار فمات. وفي ابن الأثير ٤/ ٥٠٢: فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح قصره فمات. وفي ابن الأعثم ٧/ ١٥٧: وابن الأشعث يومئذ عليل … فلم يصل إلى عمارة بن تميم حتى مات في بعض الطريق.
(٢) في ابن الأعثم ٧/ ١٥٨: ثم أمر برؤوسهم فطيف بها في أجناد أهل الشام وأهل مصر ثم بعث بها بعد ذلك إلى بئر برهوت - برهرت حضر موت فألقيت هناك.
وفي معجم البلدان: برهوت بئر بحضر موت … وقال محمد بن أحمد: وبقرب حضر موت وادي برهوت وهو الذي قال فيه النبي ان فيه أرواح الكفار والمنافقين.
(٣) في ابن الأثير ٤/ ٥٠٢ الرخج، وفي الطبري ٨/ ٤١: الرحج. وفي معجم البلدان: رخج بتشديد ثانيه: كورة ومدينة من نواحي كابل.

<<  <  ج: ص:  >  >>