للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرداء يقول: سمعت رسول الله يقول: " لا يدخل الجنة لعان ". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: ثنا الحسين بن عبد الرحمن، قال: قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال: قد صرت لا أفرح بالحسنة أعملها، ولا أحزن على السيئة أرتكبها، فقال سعيد: الآن تكامل موت قلبه. وقال الأصمعي عن أبيه عن جده قال: خطب عبد الملك يوما خطبة بليغة ثم قطعها وبكى بكاء شديدا ثم قال: يا رب إن ذنوبي عظيمة، وإن قليل عفوك أعظم منها، اللهم فامح بقليل عفوك عظيم ذنوبي. قال: فبلغ ذلك الحسن فبكى وقال: لو كان كلام يكتب بالذهب لكتب هذا الكلام، وقد روى عن غير واحد نحو ذلك، أي أنه لما بلغه هذا الكلام قال مثل ما قال الحسن. وقال مسهر الدمشقي: وضع سماط عبد الملك يوما بين يديه فقال لحاجبه: ائذن لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال: مات يا أمير المؤمنين، قال: فلأبيه عبد الله بن خالد بن أسيد، قال: مات، قال: فلخالد بن يزيد بن معاوية، قال: مات، قال فلفلان وفلان - حتى عد أقواما قد ماتوا وهو يعلم ذلك قبلنا - فأمر برفع السماط وأنشأ يقول:

ذهبت لداتي وانقضت أيامهم … وغبرت بعدهم ولست بخالد

وقيل: إنه لما احتضر دخل عليه ابنه الوليد فبكى فقال له عبد الملك: ما هذا؟ أتحن حنين الجارية والأمة؟ إذا أنا مت فشمر واتزر والبس جلد النمر، وضع (١) الأمور عند أقرانها، واحذر قريشا. ثم قال له: يا وليد اتق الله فيما أستخلفك فيه، واحفظ وصيتي، وانظر إلى أخي معاوية فصل رحمه واحفظني فيه، وانظر إلى أخي محمد فأمره على الجزيرة ولا تعز له عنها، وانظر إلى ابن عمنا علي بن عباس فإنه قد انقطع إلينا بمودته ونصيحته وله نسب وحق فصل رحمه واعرف حقه، وانظر إلى الحجاج بن يوسف فأكرمه فإنه هو الذي مهد لك البلاد وقهر الأعداء وخلص لكم الملك وشتت الخوارج، وأنهاك وإخوتك عن الفرقة وكونوا أولاد أم واحدة، وكونوا في الحرب أحرارا، وللمعروف منارا، فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها، وإن المعروف يشيد ذكر صاحبه ويميل القلوب بالمحبة، ويذلل الألسنة بالذكر الجميل، ولله در القائل:

إن الأمور (٢) إذا اجتمعن فرامها … بالكسر ذو حنق وبطش مفند

عزت فلم تكسر وإن هي بددت … فالكسر والتوهين للمتبدد (٣)


(١) في مروج الذهب ٣/ ١٩٦ وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه، وانظر الاخبار الطوال ص ٣٢٥.
(٢) في مروج الذهب: إن القداح … وبطش باليد.
(٣) في مروج الذهب ٣/ ٢٠٣: فالوهن والتكسير للمتبدد. وفي ابن الأعثم ٧/ ٢٠٣: فالوهن والتضييع. وفيه ان الوليد أجابه:
إني لما أوصيتنيه لحافظ … أرعاه غير مقصر في المحتد
وأكون للأعداء سما ناقعا … والذي القرابة كالحميد الأيد
وأقوم بعدك في الرعية بالذي … أوصيتني بهم بحسن تودد

<<  <  ج: ص:  >  >>