للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَغَانِمَ كَثِيرَةً، وَامْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ ثُمَّ عَزَلَهُ بِقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ بِتِرْمِذَ، ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ ذَلِكَ وَمُلَخَّصُهُ أنه بعد مقتل أبيه لم يبق بَلَدٌ يَلْجَأُ إِلَيْهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا اقْتَرَبَ مِنْ بَلْدَةٍ خَرَجَ إِلَيْهِ مَلِكُهَا فَقَاتَلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ تِرْمِذَ وَكَانَ مَلِكُهَا فِيهِ ضَعْفٌ، فَجَعَلَ يُهَادِنُهُ وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ بِالْأَلْطَافِ وَالتُّحَفِ، حَتَّى جَعَلَ يَتَصَيَّدُ هُوَ وَهُوَ، ثُمَّ عَنَّ لِلْمَلِكِ فَعَمِلَ لَهُ طَعَامًا وَبَعَثَ إِلَى مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ أَنِ ائْتِنِي فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ جَيْشِهِ مِائَةً مِنْ شُجْعَانِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَلَدَ فلما فرغت الضيافة اضطجع موسى فِي دَارِ الْمَلِكِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْوَمُ مِنْ هُنَا حَتَّى يَكُونَ هَذَا الْمَنْزِلُ مَنْزِلِي أَوْ يَكُونَ قَبْرِي: فَثَارَ أَهْلُ الْقَصْرِ إِلَيْهِ فَحَاجَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ وَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ تِرْمِذَ، فَاقْتَتَلُوا فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ تِرْمِذَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَهَرَبَ بَقِيَّتُهُمْ، وَاسْتَدْعَى مُوسَى ببقية جَيْشِهِ إِلَيْهِ وَاسْتَحْوَذَ مُوسَى عَلَى الْبَلَدِ فَحَصَّنَهَا وَمَنَعَهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَخَرَجَ مِنْهَا مَلِكُهَا هَارِبًا فَلَجَأَ إِلَى إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَتْرَاكِ فَاسْتَنْصَرَهُمْ فَقَالُوا له: هؤلاء قوم نحو من مائة رجل أخرجوك من بلدك، لَا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ،.

ثُمَّ ذَهَبَ مَلِكُ تِرْمِذَ إِلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنَ التُّرْكِ فَاسْتَصْرَخَهُمْ فَبَعَثُوا مَعَهُ قُصَّادًا نَحْوَ مُوسَى لِيَسْمَعُوا كَلَامَهُ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِقُدُومِهِمْ - وَكَانَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ - أَمْرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُؤَجِّجُوا نَارًا وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ الشِّتَاءِ وَيُدْنُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ النَّارِ كَأَنَّهُمْ يَصْطَلُونَ بِهَا، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ رَأَوْا أَصْحَابَهُ وَمَا يَصْنَعُونَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فقالوا لهم: ما هذا الذي نراكم تفعلون؟ فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّا نَجِدُ الْبَرْدَ فِي الصَّيْفِ وَالْكُرْبَ فِي الشِّتَاءِ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: مَا هَؤُلَاءِ بَشَرٌ، مَا هَؤُلَاءِ إِلَّا جِنٌّ ثم غدوا إِلَى مَلِكِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا فَقَالُوا: لَا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ.

ثُمَّ ذَهَبَ صَاحِبُ ترمذ فاستجاش بطائفة أخرى فجاؤوا فحاصرهم بِتِرْمِذَ وَجَاءَ الْخُزَاعِيُّ فَحَاصَرَهُمْ

أَيْضًا، فَجَعَلَ يُقَاتِلُ الْخُزَاعِيَّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَيُقَاتِلُ آخِرَهُ الْعَجَمَ، ثمَّ إنَّ مُوسَى بَيَّتَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَأَفْزَعَ ذَلِكَ عُمَرَ الْخُزَاعِيَّ فَصَالَحَهُ وَكَانَ مَعَهُ، فَدَخَلَ يَوْمًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ (١) ، وَلَيْسَ يرى معه سلاحاً فقال له عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِلَا سِلَاحٍ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي سِلَاحًا، ثُمَّ رَفَعَ صَدْرَ فراشه فإذا سيفه منتضى فأخذه عمرو (٢) فضربه به حتى برد


(١) يظهر في سياق رواية ابن كثير قلق وتشويش، فرواية الطبري ٨ / ٤٧: أن عمرو بن خالد قال لموسى انك لا تظفر به (أي بعمر الخزاعي) إلا بمكيدة، فخرج عمرو وأتى معسكر الخزاعي مستأمنا (بحجة هربه من ابن خازم) فأمنه الخزاعي ... وذكر تمام الرواية وانظر ابن الأثير ٤ / ٥٠٨ - ٥١٠.
(٢) من الطبري وابن الاثير، وهو عمرو بن خالد بن حصين الكلابي المتقدم في الحاشية السابقة، وقد ضرب الخزاعي فقتله وتفرق جيش الخزاعي وأتى بعضهم موسى مستأمنا فأمنه.
ثم اجتمع إلى موسى فل عبد الرحمن بن العباس من هراة وفل ابن الأشعث من العراق وكابل.
ثمَّ خرج عليهم الترك والتبت والهياطلة فقاتلهم ... ثم ارتحل إلى الترمذ، وهناك اختلف مع ثابت بن قطبة الخزاعي فحصر موسى في ثمانين ألفاً ... ثم قتل ثابت ثم جهز المفضل بن المهلب - بعد عزل يزيد - جيشا لقتال موسى فحصره (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>