للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهون وجدي في شراحيل أنني … متى شئت لاقيت امرءا مات صاحبه

ومن شعره أيضا:

ومن شيمي ألا أفارق صاحبي … وإن ملني إلا سألت له رشدا

وإن دام لي بالود دمت ولم أكن … كآخر لا يرعى ذماما ولا عهدا

وسمع سليمان ليلة صوت غناء في معسكره فلم يزل يفحص حتى أتى بهم، فقال سليمان: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستخذى له العنز وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة، ثم أمر بهم فقال: اخصوهم، فيقال إن عمر بن عبد العزيز قال: يا أمير المؤمنين إنها مثلة، ولكن انفهم، فنفاهم. وفي رواية أنه خصى أحدهم، ثم سأل عن أصل الغناء فقيل إنه بالمدينة، فكتب إلى عامله بها وهو أبو بكر بن محمد بن حزم يأمره أن يخصي من عنده من المغنين المخنثين.

وقال الشافعي: دخل أعرابي على سليمان فدعاه إلى أكل الفالوذج وقال له: إن أكلها يزيد في الدماغ فقال: لو كان هذا صحيحا لكان ينبغي أن يكون رأس أمير المؤمنين مثل [رأس] البغل. وذكروا أن سليمان كان نهما في الاكل، وقد نقلوا عنه أشياء في ذلك غريبة، فمن ذلك أنه اصطبح في بعض الأيام بأربعين دجاجة مشوية، وأربع وثمانين كلوة بشحمها، وثمانين جردقة، ثم أكل مع الناس على العادة في السماط العام. ودخل ذات يوم بستانا له وكان قد أمر قيمه أن يجني ثماره، فدخله ومعه أصحابه فأكل القوم حتى ملوا، واستمر هو يأكل أكلا ذريعا من تلك الفواكه، ثم استدعى بشاة مشوية فأكلها ثم أقبل على أكل الفاكهة، ثم أتي بدجاجتين فأكلهما، ثم عاد إلى الفاكهة فآكل منها، ثم أتي بقعب يقعد فيه الرجل مملوءا سويقا وسمنا وسكرا فأكله ثم عاد إلى دار الخلافة، وأتي بالسماط فما فقدوا من أكله شيئا (١)، وقد روي أنه عرضت له حمى عقب هذا الاكل أدته إلى الموت، وقد قيل إن سبب مرضه كان من أكل أربعمائة بيضة وسلتين تينا فالله أعلم.

وذكر الفضل بن أبي المهلب أنه لبس في يوم جمعة حلة صفراء ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء واعتم بعمامة خضراء وجلس على فراش أخضر وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا الخليفة الشاب، وقيل إنه كان ينظر في المرآة من فرقه إلى قدمه ويقول: أنا الملك الشاب، وفي رواية أنه كان ينظر فيها ويقول: كان محمد نبيا، وكان أبو بكر صديقا وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حييا، وكان على شجاعا، وكان معاوية حليما، وكان يزيد


(١) اتفقت الروايات على أنه كان شرها نكاحا، وكان صاحب أكل كثير يجوز المقدار، انظر العقد الفريد ٢/ ٢٧٧ مروج الذهب ٣/ ٢١٤ ابن خلكان ٢/ ٤٢٢ وقد بالغت الروايات في مقادير الطعام والشواء والحلوى التي كان يتناولها في اليوم بشكل لا يقبله منطق أو يقر به عاقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>