للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سليمان بن عبد الملك وهو مريض أن يولي له ابنا صغيرا لم يبلغ الحلم، فقلت: إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح، ثم شاورني في ولاية ابنه داود، فقلت: إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت، فقال: من ترى؟ فقلت: رأيك يا أمير المؤمنين، قال: فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت: أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما يحب الخير وأهله، ولكن أتخوف عليه إخوتك أن لا يرضوا بذلك، فقال: هو والله على ذلك وأشار رجال (١) أن يجعل يزيد بن عبد الملك ولي العهد من بعد عمر بن عبد العزيز ليرضى بذلك بنو مروان، فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز، إني قد وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم. وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: أجمع أهل بيتي فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوما، فمن أبى منهم ضرب عنقه. فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم: هذا الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا من وليت فيه، فبايعوا لذلك رجلا رجلا، قال رجاء: فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال: أنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان كتب لي ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن يأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة، فقلت: والله لا أخبرك حرفا واحدا. قال: ولقيه هشام بن عبد الملك فقال: يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة قديمة، فأخبرني هذا الامر إن كان إلى علمت، وإن كان لغيري فما مثلي قصر به عن هذا. فقلت: والله لا أخبرك حرفا واحدا مما أسره إلي أمير المؤمنين، قال رجاء: دخلت على سليمان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته السكرة من سكرات الموت أحرفه إلى القبلة، فإذا أفاق يقول: لم يأن لذلك بعد يا رجاء، فلما كانت الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئا، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فحرفته إلى القبلة فمات . قال: فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت الباب عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق (٢)، فقلت: بايعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا: قد بايعنا، فقلت: بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بني مروان، فلما قرأت وإن هشام (٣) بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشئ. ونادى هشام لا نبايعه أبدا، فقلت: أضرب عنقك والله، قم فبايع، ونهض الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخر المسجد، فلما تحقق


(١) كذا بالأصل، وفي نسخة وأشار سليمان بن رجاء. وما نراه: وأشار رجاء وهو ما يقتضيه سياق رواية ابن الطبري. وانظر العقد الفريد ٣/ ٢٧٦ ومروج الذهب.
(٢) في الإمامة والسياسة: بمسجد دمشق ٢/ ١١٥ والمشهور أنه مات بمرج دابق.
(٣) كذا بالأصل، والصواب يزيد ولعله سهو من الناسخ. وانظر في كتاب سليمان حاشية رقم ١ ص ١٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>