للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الحميد نائب الكوفة، يأمره بأن يدعوهم إلى الحق، ويتلطف بهم، ولا يقاتلهم حتى يفسدوا في الأرض، فلما فعلوا ذلك بعث إليهم جيشا فكسرهم الحرورية، فبعث عمر إليه يلومه على جيشه، وأرسل عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك من الجزيرة إلى حربهم، فأظفره الله بهم، وقد أرسل عمر إلى كبير الخوارج - وكان يقال له بسطام - (١) يقول له: ما أخرجك علي؟ فإن كنت خرجت غضبا لله فأنا أحق بذلك منك، ولست أولى بذلك مني، وهلم أناظرك، فإن رأيت حقا اتبعته، وإن أبديت حقا نظرنا فيه. فبعث طائفة من أصحابه إليه فاختار منهم عمر رجلين (٢) فسألهما: ماذا تنقمون؟ فقالا: جعلك يزيد بن عبد الملك من بعدك، فقال: إني لم أجعله أبدا وإنما جعله غيري. قالا: فكيف ترضى به أمينا للأمة من بعدك؟ فقال: أنظراني ثلاثة، فيقال إن بني أمية دست إليه سما فقتلوه خشية أن يخرج الامر من أيديهم ويمنعهم الأموال والله أعلم (٣).

وفيها غزا عمر بن الوليد بن هشام المعيطي، وعمرو بن قيس الكندي من أهل حمص، الصائفة وفيها ولى عمر بن عبد العزيز عمر بن هبيرة الجزيرة فسار إليها. وفيها حمل يزيد بن المهلب إلى عمر بن عبد العزيز من العراق، فأرسله عدي بن أرطاة نائب البصرة مع موسى بن وجيه، وكان عمر يبغض يزيد بن المهلب وأهل بيته، ويقول: هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم، فلما دخل على عمر طالبه بما قبله من الأموال التي كان قد كتب إلى سليمان أنها حاصلة عنده، فقال: إنما كتبت ذلك لأرهب الأعداء بذلك، ولم يكن بيني وبين سليمان شئ، وقد عرفت مكانتي عنده. فقال له عمر: لا أسمع منك هذا، ولست أطلقك حتى تؤدي أموال المسلمين، وأمر بسجنه. وكان عمر قد بعث على إمرة خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي عوضه، وقدم ولد يزيد بن المهلب، مخلد بن يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله ﷿ قد من على هذه الأمة ولايتك عليها، فلا نكونن نحن أشقى الناس بك فعلام تحبس هذا الشيخ وأنا أقوم له أتصالحني عنه؟ فقال عمر: لا أصالحك عنه إلا أن تقوم بجميع ما يطلب منه، ولا آخذ منه إلا جميع ما عنده من مال المسلمين. فقال: يا أمير المؤمنين إن كانت لك بينة عليه بما تقول وإلا فاقبل يمينه أو فصالحني عنه، فقال: لا آخذ منه إلا جميع ما عنده. فخرج مخلد بن يزيد من عند عمر، فلم يلبث أن مات مخلد. وكان عمر يقول: هو خير من أبيه. ثم إن عمر أمر بأن يلبس يزيد بن المهلب جبة صوف ويركب على بعير إلى جزيرة دهلك التي كان ينفي إليها الفساق، فشفعوا فيه فرده إلى السجن، فلم يزل به حتى مرض عمر مرضه الذي


(١) وهو شوذب الخارجي، من بني يشكر وخرج في جوخى في ثمانين رجلا.
(٢) في الطبري ٨/ ١٣٢ وابن الأثير ٥/ ٤٥ ومروج الذهب ٣/ ٢٣٣: ان بسطام بعث رجلين إلى عمر يدارسانه ويناظرنه. في الطبري وهما: ممزوج مولى بني شيبان (وفي ابن الأثير: عاصم) والآخر من صليبة بني يشكر.
(٣) كذا بالأصل والطبري ٨/ ١٣٢ وانظر مناظرة طويلة بينه وبينهما في ابن الأثير ٥/ ٤٦ وما بعدها ومروج الذهب ٣/ ٢٣٣ وما بعدها. والإمامة والسياسة ٢/ ١١٨ - ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>