للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار، فحصل له بسبب ذلك مرض، فأخبر أنه مسموم (١)، فقال: لقد علمت يوم سقيت السم، ثم استدعى مولاه الذي سقاه، فقال له: ويحك!! ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ألف دينار أعطيتها. فقال: هاتها، فأحضرها فوضعها في بيت المال، ثم قال له: اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك. ثم قيل لعمر: تدارك نفسك، فقال: والله لو أن شفائي أن أمس شحمة أذني أو أوتى بطيب فأشمه ما فعلت، فقيل له: هؤلاء بنوك - وكانوا اثني عشر - ألا توصي لهم بشئ فإنهم فقراء؟ فقال: (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) [الأعراف: ١٩٥] والله لا أعطيتهم حق أحد وهم بين رجلين إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فما كنت لاعينه على فسقه. وفي رواية فلا أبالي في أي واد هلك. وفي رواية أفأدع له ما يستعين به على معصية الله فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت؟ ما كنت لافعل. ثم استدعى بأولاده فودعهم وعزاهم بهذا، وأوصاهم بهذا الكلام ثم قال: انصرفوا عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم (٢). قال: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على ثمانين فرس في سبيل الله، وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك - مع كثرة ما ترك لهم من الأموال - يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبد العزيز، لان عمر وكل ولده إلى الله ﷿، وسليمان وغيره إنما يكلون أولادهم إلى ما يدعون لهم، فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم. وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة، فإن قضى الله موتا دفنت في القبر الرابع مع رسول الله وأبي بكر وعمر، فقال: والله لان يعذبني الله بكل عذاب، إلا النار فإنه لا صبر لي عليها، أحب إلي من أن يعلم الله من قلبي أني لذلك الموضع أهل. قالوا: وكان مرضه بدير سمعان من قرى حمص وكانت مدة مرضه عشرين يوما، ولما احتضر قال: أجلسوني فأجلسوه فقال: إلهي أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ثلاثا، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر، فقالوا: إنك لتنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين، فقال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جان، ثم قبض من ساعته. وفي رواية أنه قال لأهله: اخرجوا عني، فخرجوا وجلس على الباب مسلمة بن عبد الملك وأخته فاطمة، فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ثم قرأ (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) [القصص: ٨٣] ثم هدأ الصوت فدخلوا عليه فوجدوه قد غمض وسوي إلى القبلة وقبض.


(١) وهو قول ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢/ ٢٨٠ وقال إن يزيد بن عبد الملك دس إليه السم مع خادم له. وفوات الوفيات وفيه: سقاه بنو أمية السم لما شدد عليهم. وفي الطبري ٨/ ١٣٧ وابن الأثير ٥/ ٥٨ ان مرضا ألم به وكانت شكواه عشرين يوما. ولم يذكرا أنه مات مسموما.
(٢) انظر وصيته لابنه محمد لما حضرته الوفاة في ابن الأعثم ٧/ ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>