للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعفر بن برقان حدثني الزهري قال: كان لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلما ولي الخلافة معاوية ورث المسلم من الكافر. ولم يورث الكافر من المسلم، وأخذ بذلك الخلفاء من بعده، فلما قام عمر بن عبد العزيز راجع السنة الأولى، وتبعه في ذلك يزيد بن عبد الملك، فلما قام هشام أخذ بسنة الخلفاء - يعني أنه ورث المسلم من الكافر - وقال الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بينما نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك فهممنا أن نوسع له، فقال مكحول: دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس، يتعلم التواضع.

وقد كان يزيد هذا يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي عزم على أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم، قال حرملة عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما ولي يزيد بن عبد الملك قال سيروا بسيرة عمر، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتي بأربعين شيخا فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب، وقد اتهمه بعضهم في الدين، وليس بصحيح، إنما ذاك ولده الوليد بن يزيد كما سيأتي، أما هذا فما كان به بأس، وقد كتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإني لا أراني إلا ملما بي، وما أرى الامر إلا سيفضي إليك، فالله الله في أمة محمد، فإنك عما قليل ميت فتدع الدنيا إلى من لا يعذرك، والسلام. وكتب يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد بلغه أنك استبطأت حياته وتمنيت وفاته ورمت الخلافة، وكتب في آخره:

تمنى رجال أن أموت وإن أمت … فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وقد علموا لو ينفع العلم عندهم … متى مت ما الباغي علي بمخلد

منيته تجري لوقت وحتفه … يصادفه يوما على غير موعد

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى … تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد

فكتب إليه هشام: جعل الله يومي قبل يومك، وولدي قبل ولدك، فلا خير في العيش بعدك (١).

وقد كان يزيد هذا يحب حظية من حظاياه يقال لها حبابة - بتشديد الباء الأولى - والصحيح تخفيفها - واسمها العالية، وكانت جميلة جدا، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار، من عثمان بن سهل بن حنيف، فقال له أخوه سليمان: لقد هممت أحجر على يديك، فباعها، فلما أفضت إليه الخلافة قالت له امرأته سعدة يوما: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شئ؟ قال: نعم، حبابة، فبعثت امرأته فاشترتها له ولبستها وصنعتها وأجلستها من وراء


(١) انظر نسخة كتاب يزيد إلى هشام ورد هشام عليه في مروج الذهب ٣/ ٢٤٦. والعقد الفريد ٢/ ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>