للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وُضِعَ عِنْدَ قَبْرِهِ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَسَقَطَتْ صَحِيفَةٌ بِأَحْسَنِ كتاب فقرأوها فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَرَاءةٌ مِنَ اللَّهِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ النَّارِ.

فَأَدْخَلُوهَا بَيْنَ أَكْفَانِهِ وَدَفَنُوهَا مَعَهُ.

وَرُوِيَ نحو هذا من وجه آخر ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ إسماعيل بسنده عن عمير بن حبيب السُّلَمِيِّ، قَالَ: أُسِرْتُ أَنَا وَثَمَانِيَةٌ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَأَمَرَ مَلِكُ الرُّومِ بِضَرْبِ رِقَابِنَا، فَقُتِلَ أَصْحَابِي وَشَفَعَ فِيَّ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَةِ الْمَلِكِ، فَأَطْلَقَنِي لَهُ، فَأَخَذَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ، وَإِذَا له ابنة مثل الشمس، فعرضها علي على أَنْ يُقَاسِمَنِي نِعْمَتَهُ وَأَدْخُلَ مَعَهُ فِي دِينِهِ فَأَبَيْتُ، وَخَلَتْ بِي ابْنَتُهُ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيَّ فَامْتَنَعْتُ، فَقَالَتْ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: يَمْنَعُنِي دِينِي، فَلَا أَتْرُكُ دِينِي لِامْرَأَةٍ وَلَا لشئ.

فَقَالَتْ: تُرِيدُ الذَّهَابَ إِلَى بِلَادِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: سِرْ عَلَى هَذَا النَّجْمِ بِاللَّيْلِ وَاكْمُنْ بِالنَّهَارِ، فَإِنَّهُ يُلْقِيكَ إِلَى بِلَادِكَ، قَالَ: فَسِرْتُ كَذَلِكَ، قَالَ فَبَيْنَا أَنَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مكمن إذا بخيلٍ مقبلةٍ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ فِي طَلَبِي، فَإِذَا أَنَا بِأَصْحَابِي الَّذِينَ قُتِلُوا وَمَعَهُمْ آخَرُونَ عَلَى دَوَابَّ شُهْبٍ، فَقَالُوا: عُمَيْرٌ؟ فَقُلْتُ: عُمَيْرٌ.

فقلت: لهم أو ليس قد قتلتم؟ قالوا: بلى، ولكن الله

عزوجل نَشَرَ الشُّهَدَاءَ وَأَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا جِنَازَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي بَعْضُهُمْ: نَاوِلْنِي يَدَكَ يَا عُمَيْرُ، فَأَرْدَفَنِي فَسِرْنَا يَسِيرًا ثُمَّ قَذَفَ بِي قَذْفَةً وَقَعْتُ قُرْبَ مَنْزِلِي بِالْجَزِيرَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَحِقَنِي شَرٌّ.

وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ أَوْصَى إِلَيَّ أن أغسله وأكفنه، فَإِذَا حَلَلْتُ عُقْدَةَ الْكَفَنِ أَنْ أَنْظُرَ فِي وجهه فأدلي، ففعلت فإذا وجهه مثل القراطيس بياضاً، وكان قد أخبرني أنه كل من دفنه قبله من الخلفاء وكان يحل عَنْ وُجُوهِهِمْ فَإِذَا هِيَ مُسْوَدَّةٌ.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُسَوِّي التُّرَابَ عَلَى قَبْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذْ سَقَطَ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ كِتَابٌ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ مِنَ اللَّهِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ النَّارِ، سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُئِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ، وَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، لَا سِيَّمَا الْعُلَمَاءُ وَالزُّهَّادُ وَالْعُبَّادُ، وَرَثَاهُ الشُّعَرَاءُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَنْشَدَهُ أَبُو عَمْرٍو الشيباني لكثير (١) عزة يرثي عمر: -


(١) قال المبرد في الكامل ٢ / ٣٢٢: وقال رجل من خزاعة وينحله كثير يرثي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ (قَالَ أبو الحسن: الذي صح عندنا أن هذا الشعر لقطرب النحوي) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>