للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَذَلِكَ لِمَا وَقَعَ مِنَ القتال الطَّوِيلِ الْعَرِيضِ فِي أَيَّامِ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَمَا قُتِلَ بِسَبَبِ

ذَلِكَ مِنَ النُّفُوسِ الْعَدِيدَةِ، وَجَعَلَ الحسن يخطب الناس ويعظهم في ذلك، ويأمرهم بالكف، فبلغ ذلك نائب البصرة عبد الملك (١) بْنَ الْمُهَلَّبِ، فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَأَمَرَهُمْ بالجد والجهاد، والنفر إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ الْمُرَائِيَ - وَلَمْ يُسَمِّهِ - يُثَبِّطُ الناس، أَمَا وَاللَّهِ لَيَكُفَنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ، وَتَوَعَّدَ الْحَسَنَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحَسَنَ قَوْلُهُ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَكْرَهُ أَنْ يُكْرِمَنِي اللَّهُ بِهَوَانِهِ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُ حتَّى زَالَتْ دَوْلَتُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجُيُوشَ لَمَّا تَوَاجَهَتْ تَبَارَزَ الناس قليلاً، ولم ينشب الحرب شديداً حتى فر أهل العراق سريعاً، وبلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه حُرِقَ فَانْهَزَمُوا، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَمْرِ مَا يُفَرُّ مِنْ مِثْلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بَلَغَهُمْ أن الجسر الذي جاؤوا عليه قَدْ حُرِقَ.

فَقَالَ: قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ رَامَ أن يرد المنهزمين فلم يمكنه، فَثَبَتَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يتسللون منه حتى بقي في شرذمة قَلِيلَةٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرُ قُدُمًا لَا يمر بخيل إلا هزمهم، وأهل الشام يتجاورون عنه يميناً وشمالاً، وقد قتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد حنقاً وغيظاً، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْهَبَ (٢) ، ثُمَّ قَصَدَ نَحْوَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا وَاجَهَهُ حَمَلَتْ عَلَيْهِ خُيُولُ الشَّامِ فَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا مَعَهُ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وقتلوا السميذع، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ يَزِيدَ بن المهلب رجل يقال له القجل بْنُ عَيَّاشٍ (٣) ، فَقُتِلَ إِلَى جَانِبِ يَزِيدَ بْنِ المهلب، وجاؤوا برأس يزيد إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَرْسَلَهُ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ إِلَى أَخِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاسْتَحْوَذَ مَسْلَمَةُ عَلَى مَا فِي مُعَسْكَرِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَأَسَرَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ (٤) ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى الْكُوفَةِ، وَبَعَثَ إلى أخيه فيهم، فجاء كتابه بقتلهم، فسار مسلمة فنزل الحيرة.

ولما انتهت هزيمة ابن الْمُهَلَّبِ إِلَى ابْنِهِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، عَمَدَ إِلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ (٥) أَسِيرًا فِي يَدِهِ فقتلهم، منهم نائب أمير المؤمنين عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَابْنُهُ، وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَا مَسْمَعٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَشْرَافِ، ثمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى الْبَصْرَةَ وَمَعَهُ الْخَزَائِنُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَجَاءَ معه عمه المفضل بن المهلب إليه، فَاجْتَمَعَ آلُ الْمُهَلَّبِ بِالْبَصْرَةِ فَأَعَدُّوا السُّفُنَ وَتَجَهَّزُوا أتم الجهاز


(١) في ابن الأثير ٥ / ٨٠ وابن الاعثم ٨ / ١٢ والطبري ٨ / ١٥٣: مروان بن المهلب.
(٢) في مروج الذهب ٣ / ٢٤٤: أبلق.
(٣) في ابن الاعثم ٨ / ١٧: عياش الفحل من بني كلب.
وفي رواية في ابن الاثير ٥ / ٨٣: وقيل بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي.
(٤) في ابن الاعثم ٨ / ٢٠: نيف على أربعمائة رجل ضرب أعناقهم إلا ثلاثين من رؤسائهم ليحملهم إلى يزيد بن عبد الملك.
(٥) في ابن الاثير ٥ / ٨٤ والطبري ٨ / ١٥٧: اثنين وثلاثين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>