ذلك، فتمثل له حية وهو يصلي، فمضى ولم يلتفت إليه، فالتوى على قدميه فلم يلتفت إليه، فدخل ثيابه وأخرج رأسه من عند رأسه فلم يلتفت ولم يستأخر، فلما أراد أن يسجد التوى في موضع سجوده، فلما وضع رأسه ليسجد فتح فاه ليلتقم رأسه، فوضع رأسه فجعل يعركه حتى استمكن من السجود على الأرض. ثم جاءه على صورة رجل فقال له: أنا صاحبك الذي أخوفك، أتيتك من قبل الشهوة والغضب والرغبة، وأنا الذي كنت أتمثل لك بالسباع والحيات فلم أستطع منك شيئا، وقد بدا لي أن أصادقك ولا آتيك في صلاتك بعد اليوم. فقال له العابد: لا يوم خوفتني خفتك، ولا اليوم بي حاجة في مصادقتك. قال: سلني عما شئت أخبرك. قال فما عسيت أن أسألك؟ قال: ألا تسألني عن مالك ما فعل به بعدك؟ قال: لو أردت ذلك ما فارقته. قال: أفلا تسألني عن أهلك من مات منهم ومن بقي؟ قال: أنا مت قبلهم. قال: أفلا تسألني عما أضل به الناس؟ قال: أنت أضلهم. فأخبرني عن أوثق ما في نفسك تضل به بني آدم. قال: ثلاثة أخلاق، الشح، والحدة، والسكر. فإن الرجل إذا كان شحيحا قللنا ماله في عينه ورغبناه في أموال الناس، وإذا كان حديدا تداولناه بيننا كما يتداول الصبيان الكرة، ولو كان يحيي الموتى بدعوته لم نيأس منه، وكل ما يبنيه نهدمه، لنا كلمة واحدة. وإذا سكر قدناه إلى كل شر وفضيحة وخزي وهوان كما تقاد القط إذا أخذ بأذنها كيف شئنا.
وقال وهب: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وترك يوسف في السجن سبع سنين، ومسخ بختنصر في السباع سبع سنين. وسئل وهب عن الدنانير والدراهم فقال: هي خواتيم رب العالمين، فالأرض لمعايش بني آدم لا تؤكل ولا تشرب، فأينما ذهبت بخاتم رب العالمين قضيت حاجتك، وهي أزمة المنافقين بها يقادون إلى الشهوات. وروى داود بن عمر الضبي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن سماك بن المفضل عن وهب قال: مثل الذي يدعو بغير عمل مثل الذي يرمي بغير وتر. وقال ابن المبارك: أخبرني عمر بن عبد الرحمن بن مهرب قال: سمعت وهبا يقول: قال حكيم من الحكماء: إني لأستحي من الله ﷿ أن أعبده رجاء ثواب الجنة فقط، فأكون كالأجير السوء، إن أعطي عمل وإن لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار فقط، فأكون كالعبد السوء إن رهب عمل وإن ترك لم يعمل، وإني ليستخرج مني حب الله ما لا يستخرج مني غيره.
وقال السري بن يحيى: كتب وهب إلى مكحول: إنك قد أصبت بما ظهر من علم الاسلام عند الناس محبة وشرفا، فاطلب بما بطن من علم الانسان عند الله محبة وزلفى، واعلم أن إحدى المحبتين تمنع الأخرى - أو قال: سوف تمنعك الأخرى - وقال زافر بن سليمان عن أبي سنان الشيباني قال: بلغنا أن وهب بن منبه قال: قال لقمان لابنه: يا بني: اتخذ طاعة الله تجارة تريد بها ربح الدنيا والآخرة والايمان سفينتك التي تحمل عليها، والتوكل على الله شراعها، والدنيا بحرك، والأيام