للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أشعث بن عبد الله عَنِ الْفَرَزْدَقِ قَالَ نَظَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى قَدَمِي فَقَالَ: يَا فَرَزْدَقُ إِنِّي أَرَى قَدَمَيْكَ صغيرين فَاطْلُبْ لَهُمَا مَوْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ ذنوبي كثيرة، فقال: لا بأس فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: " إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ".

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْفَرَزْدَقِ فَتَحَرَّكَ فَإِذَا فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حَلَفْتُ أَنْ لَا أَنْزِعَهُ حَتَّى أَحْفَظَ الْقُرْآنَ.

وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مَا رَأَيْتُ بَدَوِيًّا أَقَامَ بِالْحَضَرِ إِلَّا فَسَدَ لِسَانُهُ إِلَّا رُؤْبَةَ بْنَ الْعَجَّاجِ وَالْفَرَزْدَقَ فَإِنَّهُمَا زَادَا عَلَى طُولِ الاقامة جدة وحدة، وقال راويته أبوشفقل طَلَّقَ الْفَرَزْدَقُ امْرَأَتَهُ النَّوَارَ ثَلَاثًا ثُمَّ جَاءَ فَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَإِشْهَادِهِ الْحَسَنَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْشَأَ يقول: - فَلَوْ أَنِّي مَلَكْتُ يَدِي وَقَلْبِي (١) * لَكَانَ عليَّ للقدر الخيار نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ لَمَّا * غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ (٢) وَكَانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ مِنْهَا * كَآدَمَ حِينَ أخرجه الضرار (٣) وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَمَّا مَاتَتِ النَّوَارُ بِنْتُ أَعْيَنَ بْنِ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيُّ امْرَأَةُ الْفَرَزْدَقِ -

- وَكَانَتْ قَدْ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا الْحَسَنُ البصري - فشهدها أعيان أهل البصرة مع الحسن والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فسار فَقَالَ الْحَسَنُ لِلْفَرَزْدَقِ: مَاذَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ شَهِدَ هَذِهِ الْجِنَازَةَ الْيَوْمَ خَيْرُ النَّاسِ - يعنونك - وشر النَّاسِ - يَعْنُونِي - فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا فِرَاسٍ لست أنا بخير الناس ولست أنت بِشَرِّ النَّاس، ثمَّ قَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُنْذُ ثَمَانِينَ سَنَةً، فَلَمَّا أَنْ صَلَّى عَلَيْهَا الْحَسَنُ مَالُوا إِلَى قَبْرِهَا فَأَنْشَأَ الْفَرَزْدَقُ يَقُولُ (٤) : أَخَافُ وَرَاءَ الْقَبْرِ إِنْ لَمْ يُعَافِنِي * أَشَدَّ مِنَ الْقَبْرِ الْتِهَابًا وَأَضْيَقَا إِذَا جَاءَنِي (٥) يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَائِدٌ * عَنِيفٌ وَسَوَّاقٌ يسوق الفرزدقا لقد خاب من أولاد دارم (٦) مَنْ مَشَى * إِلَى النَّارِ مَغْلُولَ الْقِلَادَةِ أَزْرَقَا (٧) يُسَاقُ إِلَى نَارِ الْجَحِيمِ مُسَرْبَلًا * سَرَابِيلَ قَطْرَانٍ لباساً مخرقا


(١) في المبرد ١ / ٧٢: نفسي.
(٢) الكسعي: رجل يضرب المثل به في الندامة على كسره قوسه، وكان جربها في عدة ظباء، فظن انها لم تصبهن، ثم اتضح أنها أقصدتهن جميعا.
(٣) بعده في الاغاني ٢١ / ٢٩٠ والكامل للمبرد ١ / ٧٢: وكنت كفاقئ عينيه عمدا * فأصبح ما يضئ له النهار (٤) في الكامل للمبرد ١ / ٧١: وقال الفرزدق في أيام نسكه.
(٥) في الكامل للمبرد: قادني.
(٦) في الاغاني ٢١ / ٣٩١ والكامل للمبرد: آدم.
(٧) في الكامل: موثقا.
ويراد بالقلادة الطوق.
والغل هنا: اطباق القلادة.
وأزرقا: يراد به ما ورد في التنزيل = (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>