ذلك مصلحة. ثم إن هشاما عزل خالدا وأخفى ذلك، وبعث البريد إلى نائبه على اليمن وهو يوسف ابن عمر فولاه إمرة العراق، وأمره بالمسير إليها والقدوم عليها في ثلاثين راكبا، فقدموا الكوفة وقت السحر، فدخلوها، فلما أذن المؤذن أمره يوسف بالإقامة: فقال: إلى أن يأتي الامام - يعني خالدا - فانتهره وأمره بالإقامة وتقدم يوسف فصلى وقرأ (إذا وقعت الواقعة) و (سأل سائل) ثم انصرف فبعث إلى خالد وطارق (١) وأصحابهما، فاحضروا فأخذ منهم أموالا كثيرة، صادر خالدا بمائة ألف ألف درهم، وكانت ولاية خالد في شوال سنة خمس ومائة، وعزل عنها في جمادى الأولى من هذه السنة - أعني سنة عشرين ومائة - وفي هذا الشهر قدم يوسف بن عمر على ولاية العراق مكان خالد بن عبد الله القسري، واستناب على خراسان جديع بن علي الكرماني، وعزل جعفر بن حنظلة الذي كان استنابه أسد، ثم إن يوسف بن عمر عزل جديعا في هذه السنة عن خراسان، وولى عليها نصر ابن سيار، وذهب جميع ما كان اقتناه وحصله خالد من العقار والأملاك وهلة واحدة، وقد كان أشار عليه بعض أصحابه لما بلغهم عتب هشام عليه أن يبعث إليه يعرض عليه بعض أملاكه، فما أحب منها أخذه وما شاء ترك، وقالوا له: لان يذهب البعض خير من أن يذهب الجميع مع العزل والاخراق فامتنع من ذلك واغتر بالدنيا وعزت نفسه عليه أن يذل، ففجأه العزل، وذهب ما كان حصله وجمعه ومنعه، واستقرت ولاية يوسف بن عمر على العراق وخراسان، واستقرت نيابة نصر بن سيار على خراسان، فتمهدت البلاد وأمن العباد ولله الحمد والمنة. وقد قال سوار بن الأشعري في ذلك:
أضحت خراسان بعد الخوف آمنة … من ظلم كل غشوم الحكم جبار
لما أتى يوسفا أخبار ما لقيت … اختار نصرا لها نصر بن سيار
وفي هذه السنة استبطأت شيعة آل العباس كتاب محمد بن علي إليهم، وقد كان عتب عليهم في اتباعهم ذلك الزنديق الملقب بخداش، وكان خرميا، وهو الذي أحل لهم المنكرات ودنس المحارم والمصاهرات، فقتله خالد القسري كما تقدم، فعتب عليهم محمد بن علي في تصديقهم له واتباعهم إياه على الباطل، فلما استبطأوا كتابه إليهم بعث إليهم رسولا يخبر لهم أمره، وبعثوا هم أيضا رسولا، فلما جاء رسولهم أعلمه محمد بماذا عتب عليهم بسبب الخرمي، ثم أرسل مع الرسول كتابا مختوما، فلما فتحوه لم يجدوا فيه سوى: بسم الله الرحمن الرحيم، تعلموا أنه إنما عتبنا عليكم بسبب الخرمي. ثم أرسل رسولا إليهم فلم يصدقه كثير منهم وهموا به، ثم جاءت من جهته عصى ملويا عليها حديد ونحاس، فعلموا أن هذا إشارة لهم إلى أنهم عصاة، وأنهم مختلفون كاختلاف ألوان النحاس والحديد. قال ابن جرير: وحج بالناس فيها محمد بن هشام المخزومي فيما قاله أبو