إلى محمد بن سيرين فسأله منه.
وَقَالَ إِيَاسٌ: إِنِّي لَأُكَلِّمُ النَّاسَ بِنِصْفِ عَقْلِي، فإذا اختصم إلي اثنان جمعت لهما عَقْلِي كُلَّهُ.
وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَتُعْجَبُ بِرَأْيِكَ فَقَالَ: لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ أَقْضِ بِهِ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ: إِنَّ فِيكَ خِصَالًا لَا تُعْجِبُنِي، فَقَالَ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ تَحْكُمُ قَبْلَ أن تفهم، ولا تجالس كُلَّ أَحَدٍ، وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الْغَلِيظَةَ.
فَقَالَ لَهُ: أيُّها أَكْثَرُ الثَّلَاثَةُ أَوِ الِاثْنَانِ؟ قَالَ: الثَّلَاثَةُ.
فَقَالَ: مَا أَسْرَعَ مَا فَهِمْتَ وَأَجَبْتَ، فَقَالَ أَوَ يَجْهَلُ هَذَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ مَا أَحْكَمُ أَنَا بِهِ، وَأَمَّا مُجَالَسَتِي لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَأَنْ
أَجْلِسَ مَعَ مَنْ يَعْرِفُ لِي قَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ مَعَ مَنْ لا يعرف لي قدري، وأما الثياب الغلاظ فأنا أَلْبَسُ مِنْهَا مَا يَقِينِي لَا مَا أَقِيهِ أنا.
قالوا، وتحاكم إليه اثنان فادَّعى أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْآخَرِ مَالًا، وَجَحَدَهُ الْآخَرُ، فَقَالَ إِيَاسٌ لِلْمُودِعِ: أَيْنَ أَوْدَعْتَهُ؟ قَالَ: عِنْدَ شَجَرَةٍ فِي بُسْتَانٍ.
فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَيْهَا فَقِفْ عِنْدَهَا لعلك تتذكر، وفي رواية أنه قال له: هل تستطيع أن تذهب إليها فتأتي بورق منها؟ قال: نعم! قال فَانْطَلَقَ، وَجَلَسَ الْآخَرُ فَجَعَلَ إِيَاسٌ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُلَاحِظُهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَوْصَلَ صاحبك بعد إلى المكان؟ فَقَالَ: لَا بَعْدُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ لَهُ: قُمْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فأدِّ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَكَالًا.
وَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَ معه فدفع إليه وديعته بكمالها.
وجاء آخر فقال له: إني أَوْدَعْتُ عِنْدَ فُلَانٍ مَالًا وَقَدْ جَحَدَنِي، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ وَائْتِنِي غَدًا، وَبَعَثَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجل الْجَاحِدِ فَقَالَ لَهُ: إنه قد اجتمع عندنا ههنا مال فلم نر له أميناً نضعه عنده إلا أنت، فضعه عندك في مكان حريز.
فقال له سَمْعًا وَطَاعَةً، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ وَائْتِنِي غَدًا، وَأَصْبَحَ ذَلِكَ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْحَقِّ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ أعطني حقي وإلا رفعتك إلى القاضي، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَخَافَ أَنْ لَا يُودِعَ إذا سمع الحاكم خبره، فدفع إليه ماله بكماله، فَجَاءَ إِلَى إِيَاسٍ فَأَعْلَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ ذَلِكَ الرجل من الغدر رَجَاءَ أَنْ يُودَعَ فَانْتَهَرَهُ إِيَاسٌ وَطَرَدَهُ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ خَائِنٌ.
وَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ اثْنَانِ فِي جَارِيَةٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ضَعِيفَةُ الْعَقْلِ، فَقَالَ لَهَا إِيَاسٌ: أَيُّ رِجْلَيْكِ أَطْوَلَ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ، فَقَالَ لَهَا: أَتَذْكُرِينَ لَيْلَةَ وُلِدْتِ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ فقال للبائع ردرد.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ إِيَاسًا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ بَيْتِهَا فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ بِصَبِيٍّ، فَلَمَّا وَلَدَتْ وَلَدَتْ كَمَا قَالَ، فَسُئِلَ بِمَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَهَا وَنَفَسُهَا معه فعلمت أنها حامل، وفي صوتها ضحل فَعَلِمْتُ أَنَّهُ غُلَامٌ.
قَالُوا ثُمَّ مَرَّ يَوْمًا بِبَعْضِ الْمَكَاتِبِ فَإِذَا صَبِيٌّ هُنَالِكَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ أَدْرِي شَيْئًا فَهَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَإِذَا هُوَ ابْنُهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ إِيَاسٍ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ أبو العنفر فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ: دَعَوْنِي إِلَى إِيَاسٍ فَإِذَا رَجُلٌ كُلَّمَا فَرَغَ من حدث أَخَذَ فِي آخِرَ.
وَقَالَ إِيَاسٌ:
كُلُّ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُ عَيْبَ نَفْسِهِ فَهُوَ أَحْمَقُ، فَقِيلَ له: ما عيبك؟ فقال كَثْرَةُ الْكَلَامِ.
قَالُوا: وَلَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ بَكَى عليها فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ لِي بَابَانِ مَفْتُوحَانِ إِلَى الْجَنَّةِ فَغُلِقَ أَحَدُهُمَا.
وَقَالَ له أبوه: