للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجْلِسُ إِلَّا بِهِمَا وَقْتَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، فَلَمَّا حَاصَرَ حِمْصَ نَادَوْهُ إِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ، فَقَالَ: افْتَحُوا بَابَ الْبَلَدِ فَفَتَحُوهُ.

ثُمَّ كَانَ مِنْهُمْ بَعْضُ الْقِتَالِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ نَحْوَ الْخَمْسِمِائَةٍ أَوِ السِّتِّمِائَةِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَصُلِبُوا حَوْلَ الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بهدم بعض سورها.

وأما أهل دمشق فأما أهل الغوطة فحاصروا أميرهم زامل بن عمرو وأمَّروا عَلَيْهِمْ يَزِيدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَثَبَتَ فِي الْمَدِينَةِ نَائِبَهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَرْوَانُ بن حمص عسكراً نحو عشرة آلاف، فلما اقتربوا من دشمق خَرَجَ النَّائِبُ فِيمَنْ مَعَهُ وَالْتَقَوْا هُمْ وَالْعَسْكَرُ بِأَهْلِ الْغُوطَةِ فَهَزَمُوهُمْ وَحَرَّقُوا الْمِزَّةَ وَقُرًى أُخْرَى مَعَهَا، وَاسْتَجَارَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَسْرِيُّ وَأَبُو عِلَاقَةَ الْكَلْبِيُّ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمِزَّةِ مِنْ لخم، فدل عليهم زامل بن عمرو فَقَتَلَهُمَا وَبَعَثَ بِرَأْسَيْهِمَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَرْوَانَ وَهُوَ بِحِمْصَ.

وَخَرَجَ ثَابِتُ بْنُ نُعَيْمٍ فِي أَهْلِ فِلَسْطِينَ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَأَتَوْا طَبَرِيَّةَ فَحَاصَرُوهَا، فَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَأَجْلَوْهُمْ عَنْهَا وَاسْتَبَاحُوا عَسْكَرَهُمْ، وَفَرَّ ثَابِتُ بْنُ نُعَيْمٍ هَارِبًا إِلَى فِلَسْطِينَ فَأَتْبَعَهُ الْأَمِيرُ أَبُو الْوَرْدِ فَهَزَمَهُ ثَانِيَةً وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَسَرَ أَبُو الْوَرْدِ ثَلَاثَةً مِنْ أَوْلَادِهِ فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَهُمْ جَرْحَى فَأَمَرَ بِمُدَاوَاتِهِمْ، ثُمَّ كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نَائِبِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ الرُّمَاحِسُ (١) بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ يَأْمُرُهُ بِطَلَبِ ثَابِتِ بْنِ نُعَيْمٍ حَيْثُ كَانَ، فَمَا زَالَ يَتَلَطَّفُ بِهِ حَتَّى أَخَذَهُ أَسِيرًا، وَذَلِكَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، فَبَعَثَهُ إِلَى الخليفة وأمر بِقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ كَانُوا مَعَهُ، وَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دِمَشْقَ فَأُقِيمُوا عَلَى بَابِ مَسْجِدِهَا، لِأَنَّ أَهْلَ دِمَشْقَ كَانُوا قَدْ أَرَجَفُوا بِأَنَّ ثَابِتَ بْنَ نُعَيْمٍ ذَهَبَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ فَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ نَائِبَ مَرْوَانَ فِيهَا، فأرسل إليهم مقطع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِيَعْرِفُوا بُطْلَانَ مَا كَانُوا بِهِ أَرَجَفُوا.

وَأَقَامَ الْخَلِيفَةُ مَرْوَانُ بِدِيرِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السلام مدة حتى بايع لابنه عبد الله ثم عبيد اللَّهِ

وَزَوَّجَهُمَا ابْنَتَيْ هِشَامٍ، وَهُمَا أُمُّ هِشَامٍ وعائشة، وكان مجمعاً حافلاً وعقداً هائلاً، ومبايعةً عَامَّةً، وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَامَّةً.

وَقَدِمَ الْخَلِيفَةُ إِلَى دِمَشْقَ وَأَمَرَ بِثَابِتٍ وأصحابه بعد ما كانوا تقطعوا أَنْ يُصْلَبُوا عَلَى أَبْوَابِ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا وَاحِدًا وَهُوَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْكَلْبِيُّ، وَكَانَ عِنْدَهُ فِيمَا زَعَمَ عِلْمٌ بودايع كَانَ ثَابِتُ بْنُ نُعَيْمٍ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ.

وَاسْتَوْسَقَ أَمْرُ الشَّامِ لِمَرْوَانَ مَا عَدَا تَدْمُرَ، فَسَارَ مِنْ دِمَشْقَ فَنَزَلَ الْقَسْطَلَ مِنْ أَرْضِ حمص، وبلغه أن أهل تدمر قد غوروا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْمِيَاهِ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُ جَحَافِلُ مِنَ الْجُيُوشِ، فَتَكَلَّمَ الْأَبْرَشُ بن الوليد وكانوا قومه فسأل مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا لِيُعْذِرَ إِلَيْهِمْ، فَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْوَلِيدِ أَخَا الْأَبْرَشِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَلَا سَمِعُوا لَهُ قَوْلًا فَرَجَعَ، فهمَّ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَبْعَثَ الْجُنُودَ فَسَأَلَهُ الْأَبْرَشُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ فأرسله، فلما قدم عليهم الابرش كلمهم واستما لهم إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَأَجَابَهُ أَكْثَرُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمْهُ بِمَا وَقَعَ، فَأَمَرَهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَهْدِمَ بَعْضَ سُورِهَا، وَأَنْ يُقْبِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ.

فَلَمَّا حَضَرُوا عِنْدَهُ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ نَحْوَ الرصافة على طريق البرية، ومعه من الرؤوس إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْلُوعُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ وَلَدِ الْوَلِيدِ وَيَزِيدَ وَسُلَيْمَانَ، فَأَقَامَ


(١) في القاموس المحيط للفيروزا بادي: الرماحس بن عبد العزى بن الرماحس كان على شرطة مروان بن محمد.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>