للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رب - وذكر كلمته - فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب، مشمرها فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام. قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصى نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته. ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك. فقال الخضر: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة (١) من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، وأعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك. واعزف (٢) عن الدنيا وانبذها وراءك. فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الاثم. يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له. ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوي السخفاء. ولكن عليك بالاقتصاد فإن ذلك من التوفيق والسداد. وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء، وإذ شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما. وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم. يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا. فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف. يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يا ابن عمران من لا ينتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا (٣). هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لان سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه. يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره، يا موسى بن عمران، اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضى ربك واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوء. قد وعظت إن حفظت … قال فتولى وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي.

لا يصح هذا الحديث وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري كذبه غير واحد من الأئمة والعجب أن الحافظ بن عساكر سكت عنه … وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد (٤) عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله قال لأصحابه: " ألا أحدثكم عن الخضر؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال:


(١) في نسخ البداية المطبوعة: ملامة: وهو تحريف.
(٢) في نسخ البداية المطبوعة: وأغرق من الدنيا وهو تحريف.
(٣) في نسخة: عابدا.
(٤) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي; أبو يحمد صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة سبع وتسعين وله سبع وثمانون. تقريب التهذيب ١/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>