للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الرَّشِيدِ فَرَمَاهُ اللَّهُ بِالْفَالِجِ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.

ويقال إن امرأته غمت وجهه بمخدة فقتله الله.

ثُمَّ إِنَّ الرَّشِيدَ أَطْلَقَ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الله وَأَطْلَقَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَيُقَالُ إِنَّمَا حبسه بعض يوم وقيل ثلاثة أيام.

وَكَانَ جُمْلَةُ مَا وَصَلَهُ مِنَ الْمَالِ مِنَ الرَّشِيدِ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ شَهْرًا وَاحِدًا ثمَّ مات رحمه الله (١) .

وفيها وَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِالشَّامِ بَيْنَ النِّزَارِيَّةِ، وَهُمْ قيس، واليمانية وهم يمن، وهذا كان أول بدو أمر العشيرتين بِحُورَانَ، وَهُمْ قَيْسٌ وَيَمَنٌ، أَعَادُوا مَا كَانُوا عليه في الجاهلية في هذا الآن.

وقتل منهم في هذه السنة بَشَرٌ كَثِيرٌ.

وَكَانَ عَلَى نِيَابَةِ الشَّامِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ الرَّشِيدِ ابْنُ عَمِّهِ مُوسَى بْنُ عِيسَى، وَقِيلَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ عَلَى نِيَابَةِ دِمَشْقَ بِخُصُوصِهَا سِنْدِيُّ بن سهل أحد موالي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَقَدْ هَدَمَ سُورَ دِمَشْقَ حِينَ ثارت الْفِتْنَةُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا أَبُو الهيذام المزي (٢) رأس القيسية، وقد كان مزي هذا دميم الخلق.

قال الجاحظ: وَكَانَ لَا يُحَلِّفُ الْمُكَارِي وَلَا الْمَلَّاحَ وَلَا الحائك، ويقول: القول قولهم، ويستخير الله في الحمال ومعلم الكتاب.

وقد توفي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ (٣) .

فَلَمَّا تَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَعَثَ الرَّشِيدُ مِنْ جِهَتِهِ مُوسَى بْنَ يَحْيَى بْنِ خالد ومعه جماعة من القواد ورؤوس الْكُتَّابِ، فَأَصْلَحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَهَدَأَتِ الْفِتْنَةُ وَاسْتَقَامَ أمر الرعية، وحملوا جماعات من رؤوس الفتنة إلى الرشيد فرد أَمْرَهُمْ إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ فَعَفَا عَنْهُمْ وَأَطَلْقَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

قَدْ هَاجَتِ الشَّامُ هَيْجًا * يُشِيبُ رَاسَ وَلِيدِهِ فَصَبَّ مُوسَى عَلَيْهَا * بِخَيْلِهِ وَجُنُودِهِ فَدَانَتِ الشَّامُ لَمَّا * أتى بسنح وحيده هذا الجواد الذي ب * ذِ كُلَّ جُودٍ بِجُودِهِ أَعْدَاهُ جُودُ أَبِيهِ * يَحْيَى وَجُودُ جُدُودِهِ فَجَادَ مُوسَى بْنُ يَحْيَى * بِطَارِفٍ وَتَلِيدِهِ وَنَالَ مُوسَى ذُرَى الْمَجْ * دِ وَهُوَ حشو مهوده خصصته بمديحي * منثوره وقصيده


(١) في الفخري ص ١٩٥: قتل يحيى في الحبس شر قتلة، وفي مروج الذهب ٣ / ٤١٩: ألقي في بركة فيها سباع ف جوعت فامسكت عن أكله فبني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي.
(٢) واسمه عامر بن عمارة بن خريم الناعم بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ نُشْبَةَ بْنِ غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بن غطفان المري أحد فرسان العرب المشهورين.
(٣) في ابن الاثير ٦ / ١٣٣: مات أبو الهيذام سنة اثنتين وثمانين ومائة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>