إلى ديان يوم الدين نمضي … وعند الله تجتمع الخصوم
قال: فاستدعاه واستجعله في حل ووهبه ألف دينار وأطلقه. وقال الحسن بن أبي الفهم: ثنا محمد بن عباد عن سفيان بن عيينة قال: دخلت على الرشيد فقال: ما خبرك؟ فقلت:
بعين الله ما تخفى البيوت … فقد طال التحمل والسكوت
فقال: يا فلان مائة ألف لابن عيينة تغنيه وتغني عقبه، ولا تضر الرشيد شيئا. وقال الأصمعي: كنت مع الرشيد في الحج فمررنا بواد فإذا على شفيره امرأة حسناء بين يديها قصعة وهي تسأل منها وهي تقول:
طحطحتنا طحاطح الأعوام … ورمتنا حوادث الأيام
فأتيناكم نمد أكفا … نائلات لزادكم والطعام
فاطلبوا الاجر والمثوبة فينا … أيها الزائرون بيت الحرام
من رآني فقد رآني ورحلي … فارحموا غربتي وذل مقامي
قال الأصمعي: فذهبت إلى الرشيد فأخبرته بأمرها فجاء بنفسه حتى وقف عليها فسمعها فرحمها وبكى وأمر مسرورا الخادم أن يملا قصعتها ذهبا، فملأها حتى جعلت تفيض يمينا وشمالا. وسمع مرة الرشيد أعرابيا يحدو إبله في طريق الحج:
أيها المجمع هما لا تهم … أنت تقضي ولك الحمى تحم
كيف ترقيك وقد جف القلم … حطت الصحة منك والسقم
فقال الرشيد لبعض خدمه: ما معك؟ قال: أربعمائة دينار، فقال: ادفعها إلى هذا الأعرابي. فلما قبضها ضرب رفيقه بيده على كتفه وقال متمثلا:
وكنت جليس قعقاع بن عمرو … ولا يشقى بقعقاع جليس
فأمر الرشيد بعض الخدم أن يعطي المتمثل ما معه من الذهب فإذا معه مائتا دينار. قال أبو عبيد إن [أصل] هذا المثل أن معاوية بن أبي سفيان أهديت له هدية جامات من ذهب فرقها على جلسائه وإلى جانبه قعقاع بن عمرو، وإلى جانب القعقاع أعرابي لم يفضل له منها شئ. فأطرق الأعرابي حياء فدفع إليه القعقاع الجام الذي حصل له، فنهض الأعرابي وهو يقول: وكنت جليس قعقاع بن عمرو إلى آخره.
وخرج الرشيد يوما من عند زبيدة وهو يضحك فقيل له مم تضحك يا أمير المؤمنين؟ فقال: دخلت اليوم إلى هذه المرأة - يعني زبيدة - فأقلت عندها وبت، فما استيقظت إلا على صوت ذهب يصب، قالوا: هذه ثلاثمائة ألف دينار قدمت من مصر، فقالت زبيدة: هبها لي يا بن عم، فقلت: