ثم جاء أبو نواس فقرأها فقال: أحسن قائله والله. والله لوددت أنها لي بجميع شئ قلته، لمن هذه؟ قيل له: لأبي العتاهية، فأخذ فكتب في جانبها:
سبحان من خلق الخلق … من ضعف مهين
يسوقه من قرار … إلى قرار مكين
يخلق شيئا فشيئا … في الحجب دون العيون
حتى بدت حركات … مخلوقة في سكون
ومن شعره المستجاد قوله:
انقطعت شدتي فعفت الملاهي إذ … رمى الشيب مفرقي بالدواهي
ونهتني النهى فملت إلى العدل … وأشفقت من مقالة ناهي
أيها الغافل المقر على السهو … ولا عذر في المعاد لساهي
لا بأعمالنا نطيق خلاصا … يوم تبدو السماء فوق الجباه
على أنا على الإساءة والتفريط … نرجو من حسن عفو الاله
وقوله:
نموت ونبلي غير أن ذنوبنا … إذا نحن متنا لا تموت ولا تبلى
ألا رب ذي عينين لا تنفعانه … وما تنفع العينان من قلبه أعمى
وقوله:
لو أن عينا أوهمتها نفسها … يوم الحساب ممثلا لم تطرف
سبحان ذي الملكوت أية ليلة … محقت صبيحتها بيوم الموقف
كتب الفناء على البرية ربها … فالناس بين مقدم ومخلف
وذكر أن أبا نواس لما أراد الاحرام بالحج قال:
يا مالكا ما أعدلك مليك كل من ملك … لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك
عبدك قد أهل لك أنت له حيث سلك … لولاك يا رب هلك لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك والليل لما أن حلك … والسابحات في الفلك على مجاري تنسلك
كل نبي وملك وكل من أهل لك … سبح أو صلى فلك لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك يا مخطئا ما أجهلك … عصيت ربا عدلك وأقدرك وأمهلك
عجل وبادر أملك واختم بخير عملك … لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك
وقال المعافي بن زكريا الحريري: ثنا محمد بن العباس بن الوليد سمعت أحمد بن يحيى بن ثعلب يقول: دخلت على أحمد بن حنبل فرأيت رجلا تهمه نفسه لا يجب أن يكثر عليه كأن النيران قد سعرت