للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم أن ذلك إنما رَآهُ أَخُوهُ مُوسَى الْهَادِي.

وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِحَفْرِ قَبْرِهِ في حياته، وأن تقرأ فيه ختمة تامة، وحمل حتَّى نظر إليه فجعل يقول: إلي هنا تصيريا بن آدَمَ.

وَيَبْكِي، وَأَمَرَ أَنْ يُوَسَّعَ عِنْدَ صَدْرِهِ وَأَنْ يُمَدَّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة: ٢٨ - ٢٩] ويبكي.

وقيل: أنه لما احتضر قال: اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِالْإِحْسَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا الْإِسَاءَةَ، يَا مَنْ لَا يَمُوتُ ارْحَمْ مَنْ يَمُوتُ.

وَكَانَ مرضه بالدم، وقيل بالسل، وجبريل الطبيب يكتم مَا بِهِ مِنَ الْعِلَّةِ، فَأَمَرَ الرَّشِيدُ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ مَاءَهُ فِي قَارُورَةٍ وَيَذْهَبَ بِهِ إلى جبريل فيريه إياه، ولا يذكر له بول من هو، فإن سأله قال: هو بول مريض عندنا.

فلما رآه جبريل قَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: هَذَا مِثْلُ مَاءِ ذَلِكَ الرَّجُلِ.

فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقَارُورَةِ مَنْ عَنَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ: بِاللَّهِ عَلَيْكَ

أَخْبِرْنِي عَنْ حَالِ صَاحِبِ هَذَا الْمَاءِ.

فَإِنَّ لِي عَلَيْهِ مَالًا، فإن كان به رجاء وإلا أخذت مالي مِنْهُ.

فَقَالَ: اذْهَبْ فَتَخَلَّصْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَّا أَيَّامًا.

فَلَمَّا جَاءَ وَأَخْبَرَ الرَّشِيدَ بَعَثَ إِلَى جِبْرِيلَ فَتَغَيَّبَ حَتَّى مَاتَ الرَّشِيدُ.

وقد قال الرشيد وهو فِي هَذِهِ الْحَالِ: إِنِّي بِطُوسَ مُقِيمٌ مَا لِي بِطُوسَ حَمِيمُ * أَرْجُو إِلَهِي لِمَا بِي فإنه بي رحيم لقد أتى بي طوساً قَضَاؤُهُ الْمَحْتُومُ * وَلَيْسَ إِلَّا رِضَائِي وَالصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ مَاتَ بِطُوسَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَقِيلَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ خَمْسٌ، وَقِيلَ سبع، وقيل ثمان وأربعون سنة.

ومدة خلافته ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وقيل ثلاثة أَشْهُرٍ.

وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ صَالِحٌ وَدُفِنَ بِقَرْيَةٍ من قرى طوس يقال لها سناباذ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرَأْتُ عَلَى خِيَامِ الرَّشِيدِ بِسَنَابَاذَ وَالنَّاسُ مُنْصَرِفُونَ مِنْ طُوسَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ: مَنَازِلُ الْعَسْكَرِ مَعْمُورَةٌ * وَالْمَنْزِلُ الْأَعْظَمُ مَهْجُورُ خَلِيفَةُ الله بدار البلى * تسعى عَلَى أَجْدَاثِهِ الْمُورُ أَقْبَلَتِ الْعِيرُ تُبَاهِي بِهِ * وَانْصَرَفَتْ تَنْدُبُهُ الْعِيرُ وَقَدْ رَثَاهُ أَبُو الشِّيصِ فَقَالَ: غَرَبَتْ فِي الشَّرْقِ شَمْسٌ * فَلَهَا الْعَيْنَانِ تَدْمَعْ مَا رَأَيْنَا قَطُّ شَمْسًا * غَرَبَتْ مِنْ حَيْثُ تَطْلُعْ وَقَدْ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ بِقَصَائِدَ.

قَالَ ابن الجوزي: وَقَدْ خَلَّفَ الرَّشِيدُ مِنَ الْمِيرَاثِ مَا لَمْ يخلفه أحد من الخلفاء، خلف مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ سِوَى الضِّيَاعِ وَالدُّورِ مَا قِيمَتُهُ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَخَمْسَةٌ وثلاثون أَلْفِ دِينَارٍ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَانَ فِي بيت المال سبعمائة (١) ألف ألف ونيف.


(١) في الطبري: ١٠ / ١٢٤: تسعمائة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>