للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها وقوله: (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) [سبأ: ١٢] أي وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الامر عذبه ونكل به (يعملون له ما يشاء من محاريب) وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس (وتماثيل) وهي الصور في الجدران وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم (١) (وجفان كالجواب). قال ابن عباس الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض، وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم. وعلى هذه الرواية يكون الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء كما قال الأعشى:

تروح على آل المحلق جفنة … كجابية الشيخ العراقي يفهق (٢)

وأما القدور الراسيات فقال عكرمة: أثافهيا منها. يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن وهكذا قال مجاهد وغير واحد. ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام والاحسان إلى الخلق من إنسان وجان قال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) [سبأ: ١٣] وقال تعالى: (والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد) يعني أن منهم من قد سخره في البناء ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر واللآلئ وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك وقوله: (وآخرين مقرنين في الأصفاد) أي قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد: وهي القيود. هذا كله من جملة ما هيأه الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لاحد من بعده، ولم يكن أيضا لمن كان قبله. وقد قال البخاري: ثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة عن النبي قال: " إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي [ص: ٣٥] فرددته خاسئا) " (٣). وكذا رواه


(١) نسخ ذلك بشرع محمد ، وقد صح النهي عن النبي لهذه الآية، والتوعد لمن عملها أو اتخذها، فنسخ الله ﷿ بهذا ما كان مباحا قبله، وكانت الحكمة في ذلك لأنه بعث والصور تعبد، فكان الأصلح إزالتها. روى مسلم عن عائشة عنه قال: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله ﷿.
(٢) الفهق: الامتلاء. وخص العراقي لجهله بالمياه لأنه حضري، فإذا وجدها ملا جابيته وأعدها ولم يدر متى يجد المياه; وأما البدوي فهو عالم بالمياه فهو لا يبالي ألا بعدها.
(٣) صحيح البخاري ٨/ ٧٥، ٦٠/ ٤٠، وأخرجه مسلم في صحيحه (٥) كتاب المساجد (٢٨) باب - ٣٠٩/ ٥٤١. وأحمد في مسنده: ٢/ ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>