للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهرب منه الفتكين في الأتراك إلى بغداد، فسار خلفهم فنزل في الجانب الشرقي منها، وأمر بختيار أن ينزل على الجانب الغربي، وحصر الترك حصرا شديدا، وأمر أمراء الاعراب أن يغيروا على الأطراف ويقطعوا عن بغداد الميرة الواصلة إليها، فغلت الأسعار وامتنع الناس من المعاش من كثرة العيارين والنهوب، وكبس الفتكين البيوت لطلب الطعام واشتد الحال، ثم التقت الأتراك وعضد الدولة فكسرهم وهربوا إلى تكريت واستحوذ عضد الدولة على بغداد وما والاها من البلاد، وكانت الترك قد أخرجوا معهم الخليفة فرده عضد الدولة إلى دار الخلافة مكرما، ونزل هو بدار الملك وضعف أمر بختيار جدا، ولم يبق معه شئ بالكلية، فأغلق بابه وطرد الحجبة والكتاب عن بابه واستعفى عن الامارة، وكان ذلك بمشورة عضد الدولة، فاستعطفه عضد الدولة في الظاهر، وقد أشار عليه في الباطن أن لا يقبل فلم يقبل. وترددت الرسل بينهما فصمم بختيار على الامتناع ظاهرا، فألزم عضد الدولة بذلك وأظهر للناس أنه إنما يفعل هذا عجزا منه عن القيام بأعباء الملك فأمر بالقبض على بختيار وعلى أهله وإخوته، ففرح بذلك الخليفة الطائع، وأظهر عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان دارسا، وجدد دار الخلافة حتى صار كل محل منها آنسا، وأرسل إلى الخليفة بالأموال والأمتعة الحسنة العزيزة وقتل المفسدين من مردة الترك وشطار العيارين.

قال ابن الجوزي: وفي هذه السنة عظم البلاء بالعيارين ببغداد، وأحرقوا سوق باب الشعير، وأخذوا أموالا كثيرة، وركبوا الخيول وتلقبوا بالقواد، وأخذوا الخفر من الأسواق والدروب، وعظمت المحنة بهم جدا واستفحل أمرهم، حتى أن رجلا منهم أسود كان مستضعفا نجم فيهم وكثر ماله حتى اشترى جارية بألف دينار، فلما حصلت عنده حاولها عن نفسها فأبت عليه فقال لها: ماذا تكرهين مني؟ قال: أكرهك كلك. فقال: فما تحبين؟ فقالت: تبيعني. فقال: أو خير من ذلك؟ فحملها إلى القاضي فأعتقها وأعطاها ألف دينار وأطلقها، فتعجب الناس من حلمه وكرمه مع فسقه وقوته. قال: وورد الخبر في المحرم بأنه خطب للمعز الفاطمي بمكة والمدينة في الموسم، ولم يخطب للطائع. قال: وفي رجب منها غلت الأسعار ببغداد حتى بيع الكر الدقيق الحواري بمائة ونيف وسبعين دينارا. قال: وفيها اضمحل أمر عضد الدولة بن بويه وتفرق جنده عنه ولم يبق معه سوى بغداد وحدها، فأرسل إلى أبيه يشكو له ذلك، فأرسل يلومه على الغدر بابن عمه بختيار، فلما بلغه ذلك خرج من بغداد إلى فارس بعد أن أخرج ابن عمه من السجن وخلع عليه وأعاده إلى ما كان عليه، وشرط عليه أن يكون نائبا له بالعراق يخطب له بها، وجعل معه أخاه أبا إسحاق أمير الجيوش لضعف بختيار عن تدبير الأمور، واستمر ذاهبا إلى بلاده، وذلك كله عن أمر أبيه له بذلك، وغضبه عليه بسبب غدره بابن عمه وتكرار مكاتباته فيه إليه. ولما سار ترك بعده وزير أبيه أبا الفتح بن العميد، ولما استقر عز الدولة بختيار ببغداد وملك العراق لم يف لابن عمه عضد الدولة بشئ مما قال، ولا ما كان التزم، بل تمادى على ضلاله القديم، واستمر على مشيه الذي هو غير مستقيم من الرفض وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>