مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العبَّاس بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِيُّ، كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنَ الشُّهُودِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ لَطِيفًا ظَرِيفًا، جَمَعَ كِتَابًا سَمَّاهُ رَوْضَةَ الْأُدَبَاءِ، فيها نُتَفٌ حَسَنَةٌ.
قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ زُرْتُهُ يَوْمًا فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ فَقُلْتُ: أَقْوَمُ فَقَدْ ثَقَّلْتُ، فأنشدني: لئن سئمت إِبْرَامًا وَثُقْلًا * زِيَارَاتٍ رَفَعْتَ بِهِنَّ قَدْرِي فَمَا أَبْرَمْتَ إِلَّا حَبْلَ وُدِّي * وَلَا ثَقَّلْتَ إِلَّا ظَهْرَ شُكْرِي مَرْجَانُ الْخَادِمُ كَانَ يَقْرَأُ الْقِرَاءَاتِ، وَتَفَقَّهَ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ يَتَعَصَّبُ عَلَى الْحَنَابِلَةِ وَيَكْرَهُهُمْ، وَيُعَادِي الْوَزِيرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ وَابْنَ الْجَوْزِيِّ مُعَادَاةً شَدِيدَةً، وَيَقُولُ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، مَقْصُودِي قَلْعُ مذهبكم، وقطع ذكركم.
ولما توفي ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَوِيَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَخَافَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَرِحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَرَحًا شديداً توفي فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.
ابْنُ التِّلْمِيذِ الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ الْمَاهِرُ، اسْمُهُ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ صَاعِدٍ توفي عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُ عِنْدَ النَّاسِ وَجَاهَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ تُوُفِّيَ قَبَّحَهُ اللَّهُ عَلَى دِينِهِ، وَدُفِنَ بِالْبَيْعَةِ الْعَتِيقَةِ، لَا رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ كَانَ مَاتَ نَصْرَانِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أنَّه مُسْلِمٌ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دِينِهِ.
الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَبُو الْمُظَفَّرِ الوزير للخلافة عون الدين، مصنف كتاب الإفصاح، وقد قرأ القرآن وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْعَرُوضِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَنَّفَ كُتُبًا جَيِّدَةً مُفِيدَةً، مِنْ ذَلِكَ الْإِفْصَاحُ في مجلدات، شرح فيه الحديث وتكلم على مذاهب الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَقَدْ كَانَ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ، ثُمَّ تَعَرَّضَ لِلْخِدْمَةِ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلْمُقْتَفِي ثُمَّ لِابْنِهِ الْمُسْتَنْجِدِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْوُزَرَاءِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً، وَأَبْعَدِهِمْ عَنِ الظُّلْمِ، وَكَانَ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَكَانَ الْمُقْتَفِي يَقُولُ: مَا وَزَرَ لِبَنِي العباس مثله، وكذلك ابنه المستنجد، وكان المستنجد مُعْجَبًا بِهِ، قَالَ مَرْجَانُ الْخَادِمُ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَنْجِدَ يُنْشِدُ لِابْنِ هُبَيْرَةَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ شِعْرِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute