للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان من تولية شرف الدين أبي سعيد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ الْحَلَبِيِّ، وَكَانَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ فَوَعْدَهُ أن يوليه قضاءها، وأسر بذلك إلى القاضي الفاضل، فأشار الْفَاضِلُ عَلَى

الضِّيَاءِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ مِنْ الْقَضَاءِ فَاسْتَعْفَى فَأُعْفِيَ، وَتُرِكَ لَهُ وَكَالَةُ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَلَّى السُّلْطَانُ ابْنَ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى أَنْ يستنيب القاضي محيي الدين أبي المعالي محمد بن زكي الدين، ففعل ذلك، ثم بعد اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو حَامِدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ شَرَفِ الدِّينِ، بسبب ضعف بصره.

وفي صفر منها وقف السلطان النَّاصِرُ قَرْيَةَ حَزْمٍ عَلَى الزَّاوِيَةِ الْغَزَّالِيَّةِ، وَمَنْ يشتغل بها بالعلوم الشرعية، وما يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ، وَجَعَلَ النَّظَرَ لِقُطْبِ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيِّ مُدَرِّسِهَا.

وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تَزَوَّجَ السُّلْطَانُ الملك الناصر بِالسِّتِّ خَاتُونَ عِصْمَةِ الدِّينِ بِنْتِ مُعِينِ الدِّينِ أنر، وكانت زوجة نور الدين محمود، وكانت مقيمة بالقلعة، وَوَلِيَ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ أَخُوهَا الْأَمِيرُ سَعْدُ الدِّينِ بن أنر، وحضر القاضي ابن عَصْرُونَ الْعَقْدَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعُدُولِ، وَبَاتَ النَّاصِرُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، ثُمَّ سافر إلى مصر بعد يومين، ركب يوم الجمعة قبل الصلاة فنزل مرج الصفر، ثم سافر فعشا قريباً من الصفين (١) ، ثم سار فدخل مصر يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هذه السنة، وتلقاه أخوه ونائبه عليها الْمَلِكُ الْعَادِلُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عند بحر القلزم، ومعه من الهدايا شئ كثير من المآكل المتنوعة وغيرها، وَكَانَ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَلَمْ يكن ورد الديار المصرية قبل ذلك، فجعل يَذْكُرُ مَحَاسِنَهَا وَمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ البلدين، وذكر الأهرام وَشَبَّهَهُمَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّشْبِيهَاتِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ حَسْبَ مَا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَتَيْنِ.

وَفِي شَعْبَانَ منها ركب الناصر إلى الإسكندرية فأسمع ولديه الفاضل علي وَالْعَزِيزَ عُثْمَانَ عَلَى الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ (٢) ، وَتَرَدَّدَ بِهِمَا إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ رَابِعَ رمضان، وعز الناصر على تمام الصِّيَامِ بِهَا، وَقَدْ كَمَّلَ عِمَارَةَ السُّورِ عَلَى الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْأُسْطُولِ وَإِصْلَاحِ مَرَاكِبِهِ وَسُفُنِهِ وشحنه بالمقاتلة وَأَمَرَهُمْ بِغَزْوِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَأَقْطَعَهُمُ الْإِقْطَاعَاتِ الْجَزِيلَةَ على ذلك، وأرصد للأسطول من بيت المال ما يكفيه لجميع شؤونه، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فأكمل صومه.

وفيها أمر الناصر ببناء مدرسة للشافعية على قبر الشَّافِعِيِّ، وَجَعَلَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّينِ الْخُبُوشَانِيَّ مُدَرِّسَهَا وَنَاظِرَهَا.

وَفِيهَا أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَارَسْتَانِ بِالْقَاهِرَةِ وَوَقَفَ عليه وقوفاً كثيرة.

وفيها بنى الأمير مجاهد


(١) في الروضتين ١ / ٢ / ٦٧٩: الصنمتين.
(٢) وهو عماد الدين أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، والسلفي نسبة إلى سلفة، وهو لفظ أعجمي معناه ثلاث شفاه، لان إحدى شفتيه كانت مشقوقة.
واستقر السلفي في الاسكندرية سنة ٥١١ وتوفي سنة ٥٧٦ (وفيات الاعيان - طبقات الشافعية - تذكرة الحافظ) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>