للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حدَّثني ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قالوا يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ قَالَ: " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ " (١) .

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا وَفِيهِ: " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى " (٢) وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ قَالَ: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ الآية) [البقرة: ١٢٩] وَلَمَّا انْتَهَتِ النُّبُوَّةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى عِيسَى قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ النُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُمْ، وَأَنَّهَا بَعْدَهُ فِي النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: ٦] يُحْتَمَلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُحْتَمَلُ عُودُهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَرَّضَ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَنُصْرَةِ نَبِيِّهِ وَمُؤَازَرَتِهِ وَمُعَاوَنَتِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَنَشْرِ الدَّعْوَةِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قال عيسى بن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهُ) أَيْ مَنْ يُسَاعِدُنِي فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ (قال الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا النَّاصِرَةُ فسموا بذلك النصارى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسرائيل وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) يَعْنِي لَمَّا دَعَا عِيسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ من كفر وكان مِمَّنْ آمَنَ بِهِ أَهْلُ أَنْطَاكِيَةَ بِكَمَالِهِمْ فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا ثَلَاثَةً أَحَدُهُمْ شَمْعُونُ الصفا فآمنوا واستجابوا وليس هؤلاء هم المذكورون فِي سُورَةِ يس لِمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ وَكَفَرَ آخَرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهْمُ جُمْهُورُ الْيَهُودِ فَأَيَّدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ عَلَى مَنْ كَفَرَ فِيمَا بَعْدُ، وَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ عَلَيْهِمْ قَاهِرِينَ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الآية) [آل عمران: ٥٥] فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَيْهِ أَقْرَبَ كَانَ غَالِبًا (٣) فمن دُونَهُ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ هُوَ الْحَقَّ الَّذِي لَا شكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ كَانُوا ظَاهِرِينَ عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ، وَأَطْرَوْهُ، وَأَنْزَلُوهُ فَوْقَ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمَّا كَانَ النَّصَارَى أَقْرَبَ في الجملة مما ذهب إليه


(١) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ١ / ٨٣ - ٨٤ وسيرة ابن هشام ١ / ١٧٠ والخبر في طبقات ابن سعد ١ / ١٠٢ والحاكم في المتسدرك ٢ / ٦٠٠ وصححه، وأقره الذهبي.
(٢) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ١ / ٨٠ و ٨٣ وأخرجه أحمد في مسنده ٤ / ١٢٧ - ١٢٨ والحاكم في المستدرك.
وقال: هذا حديث صحيح الاسناد.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٣ وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان.
(٣) في نسخ البداية المطبوعة: عاليا وهو تحريف.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>