وقد منعه المعظم في وقت عن الإفتاء، فَعَاتَبَهُ السِّبْطُ فِي ذَلِكَ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ شُيُوخَ بَلَدِهِ هُمُ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، لِكَثْرَةِ خطئه فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الوظيفة حتَّى كاد أن لا يُفَارِقُ بَيْتَ الْخَطَابَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ مَعَ أنه كانت له أموال جزيلة، وقف مدرسة بجيرون وسبعاً في الجامع.
ولما توفي ودفن بمدرسته التي بجيرون وَلِيَ الْخَطَابَةَ بَعْدَهُ أَخٌ لَهُ وَكَانَ جَاهِلًا، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا وَتَوَلَّاهَا الْكَمَالُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النصيبي، وولي تدريس الغزالية الشيخ عبد
العزيز بن عبد السلام.
محمد بن هبة الله بن جميل الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ عَلَى الْحَافِظِ ابن عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، وَاشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ وَأَفْتَى وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عِدَّةَ سِنِينَ، وكان فقيهاً عالماً فاضلاً ذكياً حَسَنَ الْأَخْلَاقِ عَارِفًا بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالْأَشْعَارِ، كريم الطباع حميد الآثار، وكانت وفاته يوم الخميس الثالث من جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
القاضي شمس الدين يحيى بن بركات ابن هبة الله بن الحسن الدمشقي قاضيها بن سنا الدولة، كَانَ عَالِمًا عَفِيفًا فَاضِلًا عَادِلًا مُنْصِفًا نَزِهًا كَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ يَقُولُ: مَا وَلِيَ دِمَشْقَ مثله، وقد ولي الحكم ببلده المقدس وَنَابَ بِدِمَشْقَ عَنِ الْقُضَاةِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ، وكانت وفاته يوم الأحد السادس في الْقِعْدَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ الناس عليه رحمه الله تعالى.
وتوفي بعده: الشيخ شمس الدين بن الحوبي الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلْوَانَ الْأَسَدِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الْأُسْتَاذِ الْحَلَبِيِّ قَاضِيهَا بَعْدَ بَهَاءِ الدين بن شداد، وكان رئيساً عالماً عارفاً فَاضِلًا، حَسَنَ الْخُلُقِ وَالسَّمْتِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.