للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَابُورَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ غَنِيمَةَ الْفَارُوثِيُّ (١) الْوَاسِطِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (٢) وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَرَحَلَ فِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ فِيهِ يَدٌ جَيِّدَةٌ، وَفِي التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهَ وَالْوَعْظِ وَالْبَلَاغَةِ، وَكَانَ دَيِّنًا وَرِعًا زَاهِدًا، قَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ فِي دَوْلَةِ الظاهر فأعطى تدريس الجاروضية وإمام مسجد ابن هشام، ورتب له فيه شئ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَكَانَ فِيهِ إِيثَارٌ وَلَهُ أَحْوَالٌ صَالِحَةٌ، وَمُكَاشَفَاتٌ كَثِيرَةٌ، تَقَدَّمَ يَوْمًا فِي مِحْرَابِ ابْنِ هِشَامٍ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ - قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامَ وَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ - فَقَالَ: اخْرُجْ فَاغْتَسِلْ، فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ ثانية وثالثة، قلم يَخْرُجْ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ اخْرُجْ فَاغْتَسِلْ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الصَّفِّ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ عَادَ وَجَاءَ إِلَى الشَّيْخِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ فَيْضٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى شَخْصًا، فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غُسْلٌ، فَلَمَّا

قَالَ الشَّيْخُ مَا قَالَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا عَيَّنَهُ باسمه علم أنه المراد.

ثم قال الْفَارُوثِيُّ مَرَّةً أُخْرَى فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ فَخَطَبَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ مُدَّةَ شُهُورٍ، ثُمَّ عزل بموفق الدين الْحَمَوِيِّ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَكَانَ قَدْ دَرَسَ بِالنَّجِيبِيَّةِ وَبِدَارِ الْحَدِيثِ الظَّاهِرِيَّةِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَسَافَرَ إِلَى وَطَنِهِ، فَمَاتَ بُكْرَةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ يَوْمُ مَوْتِهِ يَوْمًا مشهوداً بواسط، وصلّى عليه بدمشق وغيرهما رحمه الله، وَكَانَ قَدْ لَبِسَ خِرْقَةَ التَّصَوُّفِ مِنَ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَقَرَأَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشَرَةَ وَخَلَّفَ أَلْفَيْ مُجَلَّدٍ وَمِائَتَيْ مجلداً، وَحَدَّثَ بِالْكَثِيرِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الْبِرْزَالِيُّ كَثِيرًا صَحِيحَ البخاري وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه، ومسند الشافعي، ومسند عبد بن حميد، ومعجم الطبراني الصغير، ومسند الدارمي وفضائل القرآن لأبي عبيد، وثمانين جزء وَغَيْرَ ذَلِكَ.

الْجَمَّالُ الْمُحَقِّقُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدِّمَشْقِيُّ، اشْتَغَلَ بِالْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَبَرَعَ فِيهِ وَأَفْتَى وَأَعَادَ، وَكَانَ فَاضِلًا فِي الطِّبِّ، وَقَدْ وَلِيَ مَشْيَخَةَ الدَّخْوَارِيَّةِ لِتَقَدُّمِهِ فِي صِنَاعَةِ الطِّبِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَادَ الْمَرْضَى بِالْمَارَسْتَانِ النُّورِيِّ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَطِبَّاءِ، وَكَانَ مدرساً للشافعية بالفرخشانية، وَمُعِيدًا بِعِدَّةِ مَدَارِسَ، وَكَانَ جَيِّدَ الذِّهْنِ مُشَارِكًا في فنون كثيرة سامحه الله.

السِّتُّ خَاتُونُ بِنْتُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مُوسَى بْنِ الْعَادِلِ زَوْجَةُ ابْنِ عَمِّهَا الْمَنْصُورِ بْنِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَادِلِ، وَهِيَ الَّتِي أُثْبِتَ سَفَهُهَا زمن المنصور قلاوون حتى اشترى منها حزرماً وأخذت الزنبقية من زين الدين السامري (٣) .


(١) الفاروثي: نسبة إلى فاروث وهي قرية على شاطئ دجلة بين بلدتي واسط والمذار (معجم البلدان) .
(٢) في تذكرة النبيه ١ / ١٨٣: مولده سنة اثني عشر وستمائة، وفي السلوك ١ / ٨١١ مات عن ثمانين سنة بواسط.
(٣) راجع حوادث سنة ٦٨٦ هـ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>