للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأماكن أن يكون المكان قبليا وبابه نحو الشمال فقال: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور) وقرئ تزور: (عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) فأخبر أن الشمس يعني في زمن الصيف وأشباهه تشرق أول طلوعها في الغار في جانبه الغربي ثم تشرع في الخروج منه قليلا قليلا وهو ازوارها (١) ذات اليمين فترتفع في جو السماء وتتقلص عن باب الغار ثم إذا تضيفت للغروب تشرع في الدخول فيه من جهته الشرقية قليلا قليلا إلى حين الغروب كما هو المشاهد بمثل هذا المكان والحكمة في دخول الشمس إليه في بعض الأحيان أن لا يفسد هواؤه (٢) (وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله) أي بقاؤهم على هذه الصفة دهرا طويلا من السنين لا يأكلون ولا يشربون ولا تتغذى أجسادهم في هذه المدة الطويلة من آيات الله وبرهان قدرته العظيمة (من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) [الكهف: ١٦ - ١٨] قال بعضهم لان أعينهم مفتوحة لئلا تفسد بطول الغمض (وتقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) قيل في كل عام يتحولون مرة من جنب إلى جنب (٣) ويحتمل أكثر من ذلك فالله أعلم (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) قال شعيب الجبائي اسم كلبهم حمران، وقال غيره الوصيد اسكفة الباب. والمراد أن كلبهم، الذي كان معهم وصحبهم حال انفرادهم من قومهم، لزمهم ولم يدخل معهم في الكهف بل ربض على بابه ووضع يديه على الوصيد وهذا من جملة أدبه ومن جملة ما أكرموا به فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولما كانت التبعية مؤثرة حتى كان في كلب هؤلاء صار باقيا معهم ببقائهم لان من أحب قوما سعد بهم فإذا كان هذا في حق كلب فما ظنك بمن تبع أهل الخير وهو أهل للاكرام. وقد ذكر كثير من القصاص والمفسرين لهذا الكلب نبأ وخبرا طويلا أكثره متلقى من الإسرائيليات وكثير منها كذب ومما لا فائدة فيه كاختلافهم في اسمه ولونه.

وأما اختلاف العلماء في محلة هذا الكهف فقال كثيرون هو بأرض أيلة. وقيل بأرض نينوى. وقيل بالبلقاء وقيل ببلاد الروم وهو أشبه. والله أعلم. ولما ذكر الله تعالى ما هو الأنفع من خبرهم والاهم من أمرهم ووصف حالهم حتى كأن السامع راء والمخبر مشاهد لصفة كهفهم وكيفيتهم في ذلك الكهف وتقلبهم من جنب إلى جنب وأن كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. قال:


(١) ازوراها: الزور الميل، تزاور: تتنحى وتميل والازور في العين: المائل النظر إلى ناحية ومن اللفظة قال عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه … وشكا إلى بعبرة وتحمحم
(٢) قال الزجاج: كان ازورار الشمس عن الكهف فعلا خارقا للعادة وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف. قال: ولو كان الامر عاديا مألوفا فلم يكن ذلك من آيات الله، علما أن الله تعالى أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح ونسيم الهواء; فالمعنى أنه بقدرته منع وصول ضوء الشمس; وهو ذلك التزاور والميل. (انظر القرطبي - تفسير الرازي).
(٣) قال الرازي: " وأقول هذا عجيب لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم مدة ثلاثمائة سنة وأكثر فلم لا يقدر على حفظ أجسادهم أيضا من غير تقليب؟ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>