للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حميدا، جعله الله مباركا على المسلمين. فنزل بالقلعة المنصورة، وقد قدم معه الخليفة المعتضد أبو الفتح بن أبي بكر المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان راكبا إلى جانبه من ناحية اليسار، ونزل بالمدرسة الدماغية في أواخر هذا اليوم سائر الأمراء مع نائب الشام، ومقدمهم طاز وشيخون في طلب بيبغا ومن معه من البغاة المفسدين.

وفي يوم الجمعة ثانيه حضر السلطان أيده الله إلى الجامع الأموي وصلى فيه الجمعة بالمشهد الذي يصلي فيه نواب السلطان أيده الله، فكثر الدعاء والمحبة له ذاهبا وآيبا تقبل الله منه، وكذلك فعل الجمعة الأخرى وهي تاسع الشهر. وفي يوم السبت عاشره اجتمعنا يقول الشيخ عماد الدين بن كثير المصنف بالخليفة المعتضد بالله أبي الفتح بن أبي بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وسلمنا عليه وهو نازل بالمدرسة الدماغية، داخل باب الفرج وقرأت عنده جزءا فيه ما رواه أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في مسنده، وذلك عن الشيخ عز الدين بن الضياء الحموي بسماعه من ابن البخاري، وزينب بنت مكي عن أحمد بن الحصين عن ابن المذهب عن أبي بكر بن مالك عن عبد الله بن أحمد عن أبيه فذكرهما، والمقصود أنه شاب حسن الشكل مليح الكلام متواضع جيد الفهم حلو العبارة رحم الله سلفه.

وفي رابع عشره قدم البريد من بلاد حلب بسيوف الأمراء الممسوكين من أصحاب بيبغا. وفي يوم الخميس خامس عشره نزل السلطان الملك الصالح من الطارمة (١) إلى القصر الأبلق في أبهة المملكة، ولم يحضر يوم الجمعة إلى الصلاة، بل اقتصر على الصلاة بالقصر المذكور. وفي يوم الجمعة باكر النهار دخل الأمير سيف الدين شيخون وطار بمن معهما من العساكر من بلاد حلب، وقد فات تدارك بيبغا وأصحابه لدخولهم بلاد زلغادر (٢) التركماني بمن بقي معهم، وهم القليل، وقد أسر جماعة من الأمراء الذين كانوا معه، وهم في القيود والسلاسل صحبة الأميرين المذكورين، فدخلا على السلطان وهو بالقصر الأبلق فسلما عليه وقبلا الأرض وهنآه بالعيد، ونزل طاز بدار أيتمش بالشرق الشمالي، ونزل شيخون بدار إياس الحاجب بالقرب من الظاهرية البرانية، ونزل بقية الجيش في أرجاء البلد، وأما الأمير سيف الدين أرغون فأقام بحلب نائبا عن سؤاله إلى ما ذكر، وخوطب في تقليده بألقاب هائلة، ولبس خلعة سنية، وعظم تعظيما زائدا، ليكون هناك إلبا على بيبغا وأصحابه لشدة ما بينهما من العداوة. ثم صلى السلطان بمن معه من المصريين ومن انضاف إليهم من الشاميين صلاة عيد الفطر بالميدان الأخضر، وخطب بهم القاضي


(١) الطارمة بيت من خشب يكون سقفه على هيئة قبة، لجلوس السلطان (السلوك ١/ ٧٧٥ حاشية ٤).
(٢) في السلوك ٢/ ٨٧٤: قراجا بن دلغادر، وفي بدائع الزهور ١/ ٥٤٢: هرب بيبغا إلى ملطية

<<  <  ج: ص:  >  >>