للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَيْتَ إِلَّا مَا تُرِيدُ حِيَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا ولم نأمن عليك جل (١) الْعُقُوبَةِ فَقَالَ لَهُمَا وَلِمَ ذَلِكَ قَالَا هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ فتناهى [عن ذلك] وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا فَانْصَرَفَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا فَتَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ طَرِيقُهُ إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجٍ (٢) أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نزار بن مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فَقَالُوا لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ ألا ندلك على بيت مال داثراً غفلته الْمُلُوكُ قَبْلَكَ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَالَ: بَلَى ; قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ.

وَإِنَّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ لَمَّا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ من الملوك وبغى عِنْدَهُ فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا أَرْسَلَ إِلَى الْحَبْرَيْنِ فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا لَهُ: مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إِلَّا هَلَاكَكَ وَهَلَاكَ جُنْدَكَ مَا نعلم بيتاً لله عزوجل اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ وَلَئِنْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ لَتَهْلِكَنَّ وَلَيَهْلِكَنَّ مَنْ مَعَكَ جميعاً قال: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إِذَا أَنَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ، وَتُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ، وتذلل لَهُ (٣) ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ.

قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ قَالَا أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا حَوْلَهُ، وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرِيقُونَ عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ - أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ - فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا، وَقَرَّبَ النَّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ (٤) ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَيَّامٍ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - يَنْحَرُ بِهَا لِلنَّاسِ وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا ويسقيهم العسل،


(١) في الطبري وابن هشام: عاجل.
وفي تراجعه عن المدينة وفضل ابن الطلة وامتناعه عن تبع بقول خالد بن مالك بن النجار: أصحا أم انتهى ذكره * أم قضى من لذة وطره
يا بني النجار إن لنا * فيهم قبل الاوان تره سيد سامي الملوك ومن * يغز عمرا لا يجد قدره وفي أخبار الازرقي: حتى إذا كان بالدف من جمدان بين أمج وعسفان ج ١ / ١٣٣.
وجاء في تعليله: أن هذيل حسدا لقريش على ولايتهم البيت فعلوا ذلك.
(٢) عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة.
وقيل على ستة وثلاثين ميلا من مكة.
وأمج: بلد من أعراض المدينة وقيل واد.
(٣) في الطبري: وتتذلل له ; وفي ابن هشام: وتذل له.
(٤) في أخبار الازرقي: فضربت أعناقهم وصلبهم، ١ / ١٣٣.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>