للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمن على حالها. فلم تزل كذلك إلى زمن السفاح (١) أول خلفاء بني العباس فبعث إليها جامعة من أهل العزم والحزم والعلم فنقضوها حجرا حجرا ودرست آثارها إلى يومنا هذا.

قال ابن إسحاق فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي غضب رجل من النسأة من كنانة (١) الذين ينسئون شهر الحرام (٢) إلى الحل بمكة أيام الموسم كما قررنا ذلك عند قوله: (إنما النسئ زيادة في الكفر) الآية (٣).

قال ابن إسحاق فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيه (٤) أي أحدث حيث لا يراه أحد

ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر أبرهة بذلك. فقال من صنع هذا. فقيل له صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة لما سمع بقولك أنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب فجاء فقعد فيها أي أنه ليس لذلك بأهل. فغضب أبرهة عند ذلك وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه. ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثم سار وخرج معه بالفيل (٥) وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام. فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر. فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام وما يريده من هدمه وإخرابه. فأجابه من أجابه إلى ذلك. ثم عرض له فقاتله. فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا. فلما أراد قتله، قال له ذو نفر: يا أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من القتل (٦). فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليما ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم (٧) عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي (٨)


(١) في ابن الأثير والطبري: من بني فقيم.
(٢) كانوا يحلون الشهر من الأشهر الحرم، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر. ونسأت الشئ فهو منسوء إذا أخرته. وكانوا يحرمون القتال في المحرم، فإذا احتاجوا إلى ذلك حرموا صفرا بدله وقاتلوا في المحرم.
(٣) سورة التوبة الآية ٣٧.
(٤) في ابن هشام والطبري وابن الأثير: فيها وهو الصواب.
(٥) قال ابن الأثير ١/ ٤٤٢: كان اسمه محمودا، وقيل كان معه ثلاثة عشر فيلا، وإنما وحد الله الفيل لأنه عنى به كبيرها محمودا. وقال الضحاك: ثمانية فيلة.
(٦) في ابن هشام: قتلي.
(٧) في الاشتقاق لابن دريد: خثعم اسم جبل سمي به بنو عفرس بن خلف بن أفتل بن أنمار لأنهم نزلوا عنده وقيل لأنهم تخثعموا أي تلطخوا بالدم عند حلف عقدوه بينهم.
(٨) في ابن هشام والطبري: قبيلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>