للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْمُ بَرْقَةً تَحْتَ الْحَجَرِ كَادَتْ تَلْتَمِعُ بَصَرَ الرَّجُلِ، وَنَزَا الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ وَفَزِعَ الرَّجُلُ وَالْبُنَاةُ.

فَلَمَّا سَتَرَ الْحَجَرُ عَنْهُمْ مَا تَحْتَهُ إِلَى مَكَانِهِ عَادُوا إِلَى بُنْيَانِهِمْ وَقَالُوا لَا تُحَرِّكُوا هَذَا الْحَجَرَ وَلَا شَيْئًا بِحِذَائِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وحُدثت أَنَّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرُّكْنِ كِتَابًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَلَمْ يعرفوا مَا هُوَ، حَتَّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ (١) ، فَإِذَا هُوَ أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، خَلَقْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَصَوَّرْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ لَا تَزُولُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي جَبَلَاهَا - مُبَارَكٌ لِأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللَّبَنِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وحُدثت أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمَقَامِ كتاباً فيه: مكة [بيت] اللَّهِ الْحَرَامُ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، لَا يَحِلُّهَا أَوَّلُ مِنْ أَهْلِهَا.

قَالَ وَزَعَمَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً - إِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ حَقًّا - مَكْتُوبًا فِيهِ: مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا يَحْصُدْ غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة.

يعملون السيئات ويجزون الْحَسَنَاتِ؟ أَجَلْ كَمَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبُ.

وقال سعيد بن يحيى الأموي: حدثنا المعتمر بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الزُّهْرِيِّ - يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " وُجِدَ فِي الْمَقَامِ ثَلَاثَةُ أَصْفُحٍ، فِي الصَّفْحِ الْأَوَّلِ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ ذويكة، صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر وخففتها بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، وَبَارَكْتُ لِأَهْلِهَا فِي اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَفِي الصَّفْحِ الثَّانِي: إِنِّي أَنَا اللَّهُ ذويكة، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي.

فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ، وَفِي الصَّفْحِ الثالث: إِنِّي أَنَا اللَّهُ ذوبكة، خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَقَدَّرْتُهُ.

فَطُوبَى لِمَنْ أَجْرَيْتُ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ أُجْرَيْتُ الشَّرَّ عَلَى يَدَيْهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتِ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا، كُلُّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ.

ثُمَّ بَنَوْهَا حَتَّى بلغ البناء مَوْضِعَ الرُّكْنِ فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ

دُونَ الْأُخْرَى.

حَتَّى تحاوروا أو تحالفوا، وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ فَقَرَّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا.

ثُمَّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ.

فَسُمُّوا لَعْقَةَ الدَّمِ.

فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا.

فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بْنِ مَخْزُومٍ - وَكَانَ عَامَئِذٍ أَسَنَّ قُرَيْشٍ (٢) كُلِّهَا قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ فِيهِ.

فَفَعَلُوا.

فَكَانَ أول داخل دخل


(١) كذا في الاصل وابن هشام وفي دلائل البيهقي: حبر من يهود اليمن، وفي رواية: من حمير.
(٢) ذكر الازرقي أن أبا زمعة بن الأسود كان أسن القوم.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>