للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يأكل، فقلت في نفسي هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله إلى المدينة. ثم جئته فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها. قال فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان ثنتان. قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعليه شملتان (١) وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه. ثم استدبرته أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني استثبت في شئ وصف لي. فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله : " تحول " فتحولت بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس. فأعجب رسول الله أن يسمع ذاك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد. قال سلمان. ثم قال لي رسول الله : " كاتب يا سلمان " فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير (٢) وأربعين أوقية. فقال رسول الله ، " لأصحابه " أعينوا أخاكم " فأعانوني في النخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين ودية، والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشرة (٣). يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية. فقال لي رسول الله : " اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني أكن أنا أضعها بيدي ". قال: ففقرت، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته. فخرج رسول الله معي إليها. فجعلنا نقرب إليه الودي، ويضعه رسول الله بيده حتى إذا فرغنا فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة (٤). فأديت النخل وبقي علي المال. فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن. فقال " ما فعل الفارسي المكاتب؟ " قال فدعيت له قال " خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان " قال قلت: وأين تقع هذه مما على يا رسول الله؟ قال: " خذها فإن الله سيؤدي بها عنك " قال فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتق سلمان. فشهدت مع رسول الله الخندق حرا ثم لم يفتني معه مشهد (٥).


(١) في سيرة ابن هشام والبيهقي: وعلي شملتان لي. والشملة: الكساء الغليظ يشتمل به الانسان، أي يلتحف به.
(٢) كذا في الأصول: أبي بالحفر والغرس يقال فقرت الأرض إذا حفرتها، وفي النهاية: فقير النخلة: حفرة تحفر للفسيلة إذا حولت لتغرس فيها.
(٣) الصواب بعشر (سيرة ابن هشام - دلائل البيهقي).
(٤) في الروض الأنف: أن سلمان غرس ودية واحدة بيده وغرس الباقي رسول الله فعاشت كلها إلا التي غرسها سلمان. (ابن سيد الناس) - البخاري.
(٥) خبر إسلام سلمان الفارسي في طبقات ابن سعد، ودلائل النبوة لأبي نعيم (٢١٣) ومسند أحمد ٥/ ٤٣٨ تاريخ الاسلام للذهبي (٢/ ٥٢) تهذيب تاريخ دمشق (٦/ ١٩٢) والخصائص الكبرى للسيوطي (١/ ٤٥) عيون الأثر (٦٠/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>