للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي؟ قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: ٨١ - ٨٢] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أخذ عليه الميثاق لئن بعث لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ ليؤمننَّ بِهِ ولينصرنَّه وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلِيَنْصُرُنَّهُ وَهَذَا تَنْوِيهٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي سَائِرِ الْمِلَلِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِعْلَامٌ لَهُمْ وَمِنْهُمْ بِرِسَالَتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.

وَأَنَّهُ أَكْرَمُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ النَّبيّين.

وَقَدْ أَوْضَحَ أَمْرَهُ وَكَشَفَ خَبَرَهُ وَبَيَّنَ سِرَّهُ، وَجَلَّى مَجْدَهُ وَمَوْلِدَهُ وَبَلَدَهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: ١٢٩] فَكَانَ أَوَّلُ بَيَانِ أَمْرِهِ عَلَى الْجَلِيَّةِ وَالْوُضُوحِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ أَكْرَمِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا الْفَرَجُ - يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ - حَدَّثَنَا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ " (١) تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَمْ يخرِّجه أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بكبر بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ حجر بن حجر عن أبي مريق أن أعرابياً قال يارسول الله أي شئ كَانَ أَوَّلَ أَمْرِ نُبُوَّتِكَ؟ فَقَالَ: " أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ.

وَرَأَتْ أمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا سِرَاجٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: حدَّثني ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ

خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنهم قالوا: يارسول اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ.

قَالَ: " دَعْوَةُ أَبِي إبراهيم، وبشرى عيسى.

ورأت أمي حين حبلت كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ " (٢) إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ أَيْضًا.

وَفِيهِ بشارة لأهل محلتنا أرض بصرى وإنها أَوَّلُ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ خَلَصَ إِلَيْهَا نُورُ النُّبُوَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَلِهَذَا كَانَتْ أَوَّلَ مَدِينَةٍ فُتِحَتْ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَكَانَ فَتْحُهَا صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَقَدْ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ فِي صُحْبَةِ عمِّه أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ عِنْدَهَا قِصَّةُ بَحِيرَى الرَّاهِبِ كَمَا بَيَّنَاهُ.

وَالثَّانِيَةُ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ مَوْلَى خَدِيجَةَ فِي تِجَارَةٍ لَهَا.

وَبِهَا مَبْرَكُ النَّاقَةِ التي يقال لها ناقة


(١) مسند أحمد ج ٤ / ١٢٧ - ١٢٨ و ٥ / ٢٦٢ والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٠ وقال هذا حديث صحيح الاسناد ; وأقره الذهبي.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٢ و ٢٢٣ وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
(٢) سيرة ابن هشام ١ / ١٧٠ ورواه ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٢.
وصححه الحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٠ وأقره الذهبي.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>